مقدمة:
لم تكن
جريمة النصب معروفة في التشريعات القديمة ولقد كانت في القانون الروماني
صورة من صور جريمة سلب مال الغير من بينها السرقة وخيانة الأمانة.
لم
تبرز جريمة النصب بذاتها إلا بعد قيام الثورة الفرنسية فكانت قبل ذلك تكيف
تارة على أنها سرقة وتارة أخرى تزوير.فكان يعاقب على استعمال أسماء أو صفات
كاذبة على أساس جريمة التزوير بعدها أصبحت جريمة مستقلة بذاتها عن غيرها
من الجرائم الشبيهة بها ووضع لها نص خاص في تشريع سنة 1791 التي أتت به
الثورة الفرنسية بعدها نصت على جريمة النصب بموجب تشريع 1810 واعتبرت جريمة
النصب جريمة قائمة بذاتها لها خصائص ومميزات تميزها عن جريمة السرقة
والتزوير وخيانة الأمانة.
واستعمل لأول مرة مصطلح النصب في نص المادة
405 من قانون العقوبات الفرنسي تحت لفظ الطرق الاحتيالية بدلا من لفظ
التدليس وحدد ماهية الأفعال المكونة للنصب والمتمثلة في استعمال أسماء أو
صفات كاذبة أو وسائل التدليس والاحتيال.
بتاريخ 08 أوت 1935 أضيفت فقرة
إضافية لتلك المادة بموجب مرسوم تشريعي نص فيها على الظروف المشددة لجريمة
النصب والمتمثلة في ارتكاب النصب في مواجهة الجمهور وأضاف إلى جانب ذلك
العقوبات التكميلية والمتمثلة في الحرمان من الحقوق الوطنية كلها أو بعضها
والمنع من الإقامة وهي عقوبات جوازية.
ولحق بجريمة النصب تطور كبير
وهائل مع تطور العصر ولم تعد ترتكز على إتباع الوسائل التقليدية لارتكابها
،وتطورت مع مرور الزمن واتخذت عدة صور وتنوعت أساليب النصابين ووسائلهم
الاحتيالية وتطورت مع التطور التكنولوجي وخاصة مع ظهور الإعلام الآلي
والشبكات الإعلامية والإنترنت التي عصرنت الوسائل التدليسية المستعملة حيث
أصبح من الصعب على الأشخاص العاديين اكتشافها بسهولة وتفادي الوقوع فيها
خاصة في عمليات البنوك والبيع والشراء عن طريق الإنترنيت واشتهرت في الآونة
الأخيرة هذه الظاهرة وتفشت في الدول الغربية حيث سهلت الوسائل الحديثة على
المحتالين ارتكاب جرائهم بسهولة ودون ترك أي أثر أو دليل وهذا ما يصعب من
العمل القضائي لأنه من الصعب العثور على هوية الجناة.
وهذه الظاهرة
الخطيرة المتمثلة في جريمة النصب تدفع بنا إلى طرح عدة إشكاليات ومن أهمها
كيف يمكن تمييز جريمة النصب عن غيرها من الجرائم الشبيهة بها وما هو الإطار
القانوني لهذه الجريمة وما هو أثرها على الجانب الاقتصادي وهل هناك سبل
لمكافحتها ؟
وسنحال للإجابة على هذه الإشكاليات اعتماد أسلوب منطقي
وترتيب تسلسلي بعرضنا في الفصل التمهيدي لماهية جريمة النصب وتمييزها عن
الجرائم الشبيهة بها ،وفي الفصل الأول سنتطرق للإطار القانوني لجريمة النصب
حيث سنوضح خلاله أركان الجريمة ، أما الفصل الثاني فسنشير إلى العقوبات
المقررة قانونا لها والعقوبات التكميلية والظروف المشددة لها .وفي الفصل
الخير حاولنا حصر آثار الجريمة على المجتمع وأساليب مكافحتها والأساليب
الحديثة للنصب، ولقد دعمنا هذه المذكرة بمجموعة من الأحكام والقرارات
المهمة بالتالي فإن الخطة جاءت كالتالي:
مقدمــــــة.
الفصل التمهيدي: ماهية جريمة النصب وتمييزها عن غيرها من الجرائم الشبيهة بها.
أولا: ما هي جريمة النصب؟
ثانيا: تميز جريمة النصب عن جريمة خيانة الأمانة.
ثالثا : تميز جريمة النصب عن جريمة السرقة.
رابعا: التمييز بين التدليس المدني والتدليس الجنائي.
الفصل الأول : أركان جريمة النصب
المبحث الأول : الركن المادي
المطلب الأول : وسائل التدليس المختلفة
المطلب الثاني : الاستيلاء على مال الغير والتصرف فيه
المطلب الثالث: العلاقة السببية بين التدليس والاستيلاء على مال الغير .
المبحث الثاني : الركن المعنوي
المطلب الأول : القصد الجنائي العام
المطلب الثاني : القصد الجنائي الخاص .
الفصل الثاني : عقوبة جريمة النصب
المبحث الأول : العقوبات الأصلية والتكميلية لجريمة النصب وعقوبة الشروع.
المطلب الأول : العقوبات الأصلية
المطلب الثاني : العقوبات التكميلية
المطلب الثالث : عقوبة الشروع في جريمة النصب.
المبحث الثاني: الظروف المشددة والأعذار المعفية وقيود تحريك الدعوى العمومية .
المطلب الأول: الظروف المشددة لجريمة النصب.
المطلب الثاني : الأعذار المعفية في جريمة النصب
المطلب الثالث : قيود تحريك الدعوى العمومية .
الفصل الثالث : الأساليب الحديثة لجريمة النصب وآثارها على المجتمع وأساليب مكافحتها .
المبحث الأول : الأساليب الحديثة لجريمة النصب .
المطلب الأول : الأساليب المستحدثة في الدول العربية
المطلب الثاني : الأساليب المستحدثة في الدول الغربية
المبحث الثاني : آثار جريمة النصب على المجتمع.
المطلب الأول : آثار جريمة النصب على الناحية الاقتصادية .
المطلب الثاني : آثار جريمة النصب على الناحية الاجتماعية .
المبحث الثالث : أساليب مكافحة جريمة النصب.
المطلب الأول : دور السلطات الأمنية والتشريعية في مكافحة جريمة النصب
المطلب الثاني : دور الإعلام والفرد في مكافحة النصب.
خاتمة
الفصل التمهيدي ماهية جريمة النصب وتمييزها عن غيرها من الجرائم الشبيهة بها
أولا
: تكلم قانون العقوبات عن جريمة النصب في الجزء الثاني الكتاب الثالث
الباب الثاني الفصل الثالث القسم الثاني تحت عنوان النصب وإصدار شيك بدون
رصيد .وعرف جريمة النصب من خلال نص المادة 372 من قانون العقوبات كالتالي:
"
كل من توصل إلى استلام أو تلقي أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات أو
أوراق مالية أو ووعود او مخالصات أو إبراء من التزامات أو إلى الحصول على
أي منها أو شرع في ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع
فيه أو باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي
أو بإحداث الأمل في الفوز بأي شيء او في وقوع حادث أو أية واقعة أخرى او
وهمية أو الخشية من وقوع شيء منها يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى 05
سنوات على الأكثر وبغرامة من 500 إلى 20.000 دج
وإذا وقعت الجنحة من شخص
لجأ إلى الجمهور بقصد إصدار أسهم أو سندات أو أذونات أو حصص أو أية سندات
مالية سواء لشركات أو مشروعات تجارية أو صناعية فيجوز أن تصل مدة الحبس إلى
عشر سنوات والغرامة إلى 200.000 دج وفي جميع الحالات يجوز أن يحكم علاوة
على ذلك على الجاني بالحرمان من جميع الحقوق الواردة في المادة 14 أو من
بعضها وبالمنع من الإقامة وذلك لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر"
ونخلص
من هذه المادة إلى أن جريمة النصب من الجرائم المادية التي يعتدي فيها
الجاني على أموال الغير بالطرق الاحتيالية التي حددها القانون بحيث يحمل
المجني عليه لتسليمه المال بنية تملكه.
ومن خلال التعريف السابق لجريمة
النصب ومن مضمون المادة 372 من قانون العقوبات يتبين لنا أنه لقيام تلك
الجريمة يجب توفر ثلاثة أركان وهي : الركن الشرعي ، الركن المادي وأخيرا
الركن المعنوي أو القصد الجنائي وسنتناول كل ركن على حدة وبتوسع في فصل
مستقل وقبل ذلك نتعرض ولو باختصار إلى تمييز جريمة النصب عن كل من جريمة
السرقة وخيانة الأمانة مع الإشارة إلى الفرق بين التدليس المدني والتدليس
الجنائي.
ثانيا: تمييز جريمة النصب عن خيانة الأمانة.
تشترك جريمة
النصب مع جريمة خيانة الأمانة في كونهما من جرائم الاعتداء على
الأموال،فالجاني يتسلم المال من المجني عليه برضاه في كليهما ،إلا أن الفرق
يكمن في كون التسليم في جريمة خيانة الأمانة يتم بموجب عقد من عقود
الائتمان المنصوص عليها في نص المادة 376 من قانون العقوبات وتعتمد على
الإرادة الصحيحة والسليمة للمجني عليه والتي لا يشوبها أي عيب من عيوب
الرضا .
الفصل التمهيدي ماهية جريمة النصب وتمييزها عن غيرها من الجرائم الشبيهة بها
بخلاف
جريمة النصب التي يكون فيها رضا المجني عليه مشوب بعيب الغلط. إلى جانب
ذلك فإن في جريمة خيانة الأمانة فإن الجاني ينتهك الثقة التي وضعها فيه
المجني عليه الذي نقل إليه حيازة المال للحفاظ عليه بمجرد تسلمه للمال،
بالتالي فالتسليم في جريمة خيانة الأمانة بنقل الحيازة دون الملكية كما هو
الشأن في جريمة النصب فإن الاعتداء يكون على الملكية دون الحيازة التي
ينقلها المجني عليه للجاني بتسليمه للمال.
ثالثا: تميز جريمة النصب عن جريمة السرقة.
طبقا
لنص المادة 350 من قانون العقوبات جريمة السرقة تتحقق بنزع الشيء من حيازة
المجني عليه ونقله إلى حيازة الجاني دون علم ورضا المجني عليه عكس جريمة
النصب فإن الفاعل يتلقى الشيء من المجني عليه بإرادته غير أن رضا هذا
الأخير يكون معيب ومشوب بالغلط.
إلى جانب ذلك فإن الجاني في جريمة
السرقة يعتمد على المجهود الجسماني الذي يبذل للاستيلاء على حيازة المال
المسروق بينما في جريمة النصب فإن الجاني يعتمد على المجهود المعنوي ي الذي
يبذل حتى يجعل المجني عليه يصدقه ويسلم له ماله(1).
أما الاعتداء في
جريمة السرقة فيقع على الملكية والحيازة بينما في النصب فإن الاعتداء يقع
على الملكية دون الحيازة كون هذه الأخيرة ينقلها المجني عليه للجاني
بتسليمه للمال .
رابعا: التمييز بين التدليس المدني والتدليس الجنائي
يشترك
كل من التدليس المدني والتدليس الجزائي في كونهم يجعلان إرادة ورضا المجني
عليه مشوبة بعيب من عيوب الرضا.غير أنهما يختلفان عن بعضهما كون التدليس
المدني يتمثل في الكذب أو السكوت العمدي الذي يدفع بالمتعاقد الآخر للوقوع
في الغلط ولو كان يعلم به لما كان ليبرم العقد طبقا لنص المادة 86 من ق م
بالتالي فإن القانون المدني يكتفي بالسكوت العمد عن واقعة أو ملابسة لإعطاء
الطرف الذي تم خداعه الحق في المطالبة ببطلان العقد،غير أن التدليس
الجزائي لا يكتفي المشرع لقيامه على السكوت العمد عن واقعة بل حصر في نص
المادة 372 ق ع الطرق التدليسية بالتالي:
فكل استيلاء على مال الغير يتم بغير الطرق التدليسية المحددة في نص تلك المادة فلا يعد نصبا (2)
(1) أحمد بسيوني أبو روس "جريمة النصب" ص 04
(2) نفس المرجع السابق ص 06
الفصل التمهيدي ماهية جريمة النصب وتمييزها عن غيرها من الجرائم الشبيهة بها
إلى
جانب ذلك فإن التدليس المدني يختلف عن التدليس الجزائي من حيث الجزاء
،فالقانون المدني رتب على التدليس المدني جواز إبطال العقد من طرف المتعاقد
المدلس أما القانون الجزائي فرتب على ذلك عقوبات جزائية تتمثل في الحبس
والغرامات بالتالي فهو لا يكتفي بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل إبرام
العقد كما هو في القانون المدني .
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
من
خلال استقرائنا لنص المادة 372 ق ع نخلص الى انه لاكتمال جريمة النصب يجب
توفر مجموعة من الأركان وهي الركن المادي والركن المعنوي.
فأما الركن
المادي فيحوي ثلاثة عناصر وهي أولا : استعمال وسائل تدليسية ،ثانيا سلب مال
الغير ،ثالثا وأخيرا العلاقة السببية بين و وسيلة التدليس وسلب مال الغير
(1) أما الركن المعنوي فيتكون من القصد الجنائي العام والقصد الجنائي الخاص
(2) وهذا ما سنتعمق في دراسته من خلال المبحث الأول الثاني .
المبحـث الأول
الركن المادي
كما ذكرناه سابقا فإن الركن المادي لجريمة النصب يشمل ثلاثة عناصر طبقا لنص المادة 372 من قانون العقوبات وهي :
1. نشاط إيجابي صادر عن الجاني ويتمثل في استعمال وسيلة من الوسائل التدليسية.
2. نتيجة جرمية تتمثل في سلب مال الغير .
3. العلاقة السببية بين النشاط الإيجابي والنتيجة الجرمية .
المطلب الأول: استعمال الوسائل التدليسية
إن
المشرع الجزائري حصر من خلال نص المادة 372 ق ع الوسائل التدليسية لكن عند
استقرائنا للنص باللغة الفرنسية نجده يختلف عن نظيره بالغة العربية إذ
النص بالغة العربية جاء كالآتي " كل من توصل إلى استلام......لسلب كل ثروة
الغير أو بعضها أو الشروع فيه إما باستعمال أسماء أو صفات
كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي أو بإحداث أمل في الفوز بأي شيء أو في وقوع حادث
أو أية واقعة أخرى وهمية أو الخشية من وقوع شيء منها يعاقب بالحبس......"
(1) د/احسن بوسقيعة " الوجيز في القانون الجزائي الخاص " الجزء الأول ص 314
(2)
طعن رقم 1575 سنة 42جلسة 19/02/1983 ص 226 عن د أحمد أبو الروس " أركان
جريمة النصب " المادة 336 ق ع " من المقرر أن جريمة النصب كما هي معرفة في
المادة 332 من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها أن يكون ثمة احتيال وقع من
المتهم على المجني عليه بقصد خداعه والاستيلاء على ماله فيقع المجني عليه
ضحية الاحتيال الذي يتوافر باستعمال طرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو
بانتحال صفة غير صحيحة أو بالتصرف في مال الغير ممن لا يملك التصرف"
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
أما صياغة النص باللغة الفرنسية فجاء كالآتي :
«
Quiconque soit en fai usage de faux noms ou de fausses qualités , soit
en employant des manœuvres frauduleuses pour persuader l’existence de
fausses entreprise, d’un pouvoir au d’un crédit imaginaire, ou pour
faire naître l’espérance ou la crainte d’un succès, d’un accident ou de
tout autre événement chimérique. »
وحسب رأي الأستاذ بوسقيعة فإن
الصياغة السليمة تكمن في النص باللغة الفرنسية والتي تكون كالتالي " كل من
توصل إلى استلام أو تلقي أموال .....وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير
أو الشروع فيه إما باستعمال أسماء أو صفات كاذبة وإما باستعمال مناورات
احتيالية لإيهام الغير بوجود سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي أو لإحداث
الأمل في الفوز بأي شيء أو الخشية من وقوع حادث أو أية واقعة أخرى وهمية
....." (1)
وبالمقارنة بين النصين نلاحظ أن النص بالغة العربية لا نجد
فيه لفظ manœuvres frauduleuses أي المناورات الاحتيالية،وحسب رأينا فإن
النص باللغة الفرنسية أوضح وأدق, وتبعا لذلك فإن النصب لا يقوم إلا إذا
استعمل الجاني لأحد ا لوسائل التدليسية التالية طبقا لنص المادة 372 ق ع
وهي :
1. استعمال أسماء أوصفات كاذبة usage de faux noms ou de fausses qualités
2. استعمال المناورات الاحتيالية usage des manœuvres frauduleuses
ا ولا: استعمال أسماء أو صفات كاذبة
يكمن
الركن المادي لجريمة النصب في هذه الحالة في اتخاذ الجاني أسماء أو صفة
كاذبة ولو لم يصحب ذلك استعمال مناورات احتيالية بالتالي فادعاء الجاني
لاسم كاذب أو صفة كاذبة كافية في حد ذاته لقيام جريمة النصب دون الحاجة إلى
أن تصحبه أفعال أو مظاهر خارجية (2)
(1) د/ أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 313
(2)
طعن رقم 15سنة 14 ق جلسة 28/02/1944 (نقض مصري) عن د أحمد بسيوني أبو
الروس المرجع السابق ص 122.ادعاء الصفة الكاذبة كاف وهذه لتوفير ركن
الاحتيال دون الحاجة إلى أفعال خارجية أو مظاهر احتيال أخرى تعزز هذا
الادعاء " عن اتخاذ صفة غير صحيحة هو من ضروب الاحتيال الذي تتكون منه
جريمة النصب ولو لم يكن مقرونا بطرق احتيالية أخرى فاتخاذ المتهم صفة تاجر
وحصول ه بناء على ذلك على جهازات الراديو الذي نتطلب المادة 332 ق ع لن ذلك
يعد اتخاذ لصفة غير صحيحة هو انتحال لقب أو وظيفة أو مهنة أو قرابة أو مما
شابه ذلك"
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
لأنه
مجرد اتخاذ الجاني لاسم أو صفة كاذبة يحدث أثرا نفسيا لدى المجني عليه
فيدفعه لتصديقه لأنه من الصعب التأكد من صحة ذلك الادعاء كون العادة جرت
على عدم طلب الأشخاص ممن يتخذ اسم أو صفة أن يقوم بتقديم ما يثبت صحة
ادعائه (1)
مثال على ذلك أن يدعي شخص أنه طبيب أو قاضي فلا يمكن مطالبته
بشهادة تؤكد أو تثبت صحة ادعائه ولا يهم إن كان الادعاء شفاهي أو كتابي
وفي الحالة الأخيرة نكون أمام جريمتين : جريمة التزوير وجريمة النصب في نفس
الوقت .
ويشترط في الادعاء باسم كاذب أو صفة كاذبة أن لا يكون واضح
الكذب إلى درجة يكون فيها من السهل على المجني عليه اكتشافها وبالتالي لو
سلم هذا الأخير ماله فلا تقوم جريمة النصب مثال على ذلك أن يدعي شخص سيء
الهيئة أنه عون من إدارة الضرائب ويطلب من صاحب محل تجاري أداء مبلغ مالي
على سبيل رسم مستحق الدفع (2)
ويشترط لقيام جريمة النصب أن يقوم الجاني
بفعل إيجابي عند استعماله لاسم كاذب أو صفة كاذبة فبمجرد الامتناع أو اتخاذ
موقف سلبي يؤدي بالغير إلى الاعتقاد أن شخص ما فيه صفة أو اسم ليس له
فسلمه مبلغ من المال فلا يعد في هذه الحالة مرتكب لجريمة النصب , وسنتعرض
بتمعن لشرح المقصود بالاسم والصفة الكاذبة .
أولا : اتخاذ اسم كاذب usage d’un faux nom
تتم
جريمة النصب في هذه الحالة بانتحال الجاني اسم غيره في تعامله مع الغير
حيث ينخدع فيه هؤلاء فيصدقون مزاعمه فيدخل الاطمئنان في أنفسهم ., وتحت
تأثير تلك الشخصية المفتعلة يسلمون له أموالهم و في هذه الحالة من الصعب
اكتشاف حقيقته (3)
ويتمثل استعمال الاسم في أن يتخذ شخص لنفسه اسم أو
لقب سواء كان للغير أو كان خياليا لا وجود له أو كان لشخص وهمي أو خيالي
،سواء كذب في الاسم كله أو في بعضه فقد يغير لقبه ويبقي على اسمه أو يغير
الاثنين معا .
(1) أ . بهنام رمسيس " قانون العقوبات القسم الخاص الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية " ص1869
(2) أحمد بسيوني أبو الروس, المرجع السابق ,ص 50
(3)
طعن محكمة النقض المصرية رقم 05 سنة 6 ق جلسة 03/02/1932 عن أحمد بسيوني
أبو الروس ،المرجع السابق ص 119 " توفر ركن الاحتيال بتسمي الجاني باسم
كاذب دون حاجة إلى الاستعانة بأساليب احتيال أخرى "
" يكفي لتكوين جريمة
النصب أن يتسمى الشخص الذي يريد سلب مال الغير باسم كاذب يتوصل به إلى
تحقيق غرضه دون حاجة إلى الاستعانة على إتمام جريمته بأساليب احتيالية أخرى
"
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
لكن إن استعمل
الشخص اسم الشهرة ولم يستعمل اسمه الحقيقي أو استعمل اسمه الحقيقي ولم يكن
معروفا به فلا يعتبر مستعملا لاسم أو لقب كاذب بالتالي فلا تقوم جريمة
النصب.
ثانيا: اتخاذ صفة كاذبة usage d’une fausses qualité
اختلف
الفقهاء حول مفهوم الصفة المقصود بها في جريمة النصب فانقسم إلى فريقين
فرأي يذهب إلى القول بان الصفة الكاذبة نقصد بها ادعاء شخص مؤهلات أو
ووظيفة أو مهنة ليست له وانتقد هذا الرأي كونه لا يشمل على كل الحالات .
أما
الفريق الثاني يرى أن الصفة الكاذبة هي انتحال وصف تنبع منه الثقة ويعطي
معنى الائتمان ويؤكد القدرة على الدفع .وانتقد هذا الرأي كونه يدخل في
الصفة حالات أخرى لا تدخل في مفهوم الصفة الكاذبة في القانون الجنائي
كالادعاء بالدائنية أو الملكية فهي لا تدخل في الصفة الكاذبة بمفهوم
القانون الجنائي المكونة لجريمة النصب (1).
وتبعا لذلك فإن الرأي الراجح
هو القائل بأن الصفة هي تلك التي تجعل المتهم محل ثقة وائتمان لدى المجني
عليه سواء كانت هذه الصفة وظيفة أو مهنة أو قرابة عائلية أو مصاهرة ،ولقد
قضي في فرنسا على أن استعمال شخص لصفة لم تعد موجودة لدى صاحبها يعد مرتكبا
لجريمة النصب (2) وسنستعرض فيما يلي لبعض حالات اتخاذ الصفة الكاذبة.
أ – الادعاء بالعمل في وظيفة معينة
كأن
يدعي شخص أنه موظف هام في إحدى الوزارات وهو في الحقيقة لا يرقى سوى أن
يكون موظف بسيط (3) أو ادعاء شخص أنه محام أو طبيب أو مهندس أو قاضي كادعاء
الجاني أنه قاضي تحقيق (4) أو أنه ضابط في الجيش أو عون من أعوان الضرائب
لتحصيل أموال الضرائب أو أنه عون من أعوان الجمارك (5)
(1) بهنام رمسيس المرجع السابق ص2005
(2) د/ أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 315
(3) أحمد بسيوني أبو الروس المرجع السابق ص 118
(4) قرار المحكمة العليا تاريخ 10/01/1984 مج قضائية عدد 02 سنة 1989 ص 289
(5)
طعن رقم 1075سنة 20ق جلسة 22/01/1951 (نقض مصري ) عن د أحمد بسيوني أبو
الروس المرجع السابق ص 124ادعاء المتهم أنه ضابط مباحث وتقديمه للمجني عليه
بطاقة شخصية أيد بها هذا الادعاء بعد اتخاذ صفة غير صحيحة " من كان الحكم
قد أثبت على المتهم ادعاءه بأنه ضابط مباحث وتقديمه للمجني عليه بطاقة
شخصية مزورة يؤيد بها هذا الادعاء الكاذب مما انخدع به المجني عليه وسلمه
المبلغ الذي طلبه فإنه يكون قد بين بما فيه الكفاية ركن الاحتيال في جريمة
النصب باتخاذه صفة غير صحيحة"
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
ب – الادعاء بوجود قرابة عائلية :
يقصد
به ادعاء شخص أنه قريب أو صهر لشخصية معروفة أو ثرية فيكون محل ثقة من طرف
الغير فيسلمه المجني عليه ماله معتقدا منه أن الجاني قادر على الوفاء بما
استلمه مثال ذلك أن يدعي الحاني أنه ابن أو زوج أحد الأثرياء فيتوصل بذلك
إلى الحصول على مال المجني عليه والاستيلاء عليه.
جـ - الادعاء بالحصول على شهادة علمية أو شرفية :
مثال
ذلك من يدعي أنه متحصل على شهادة دكتوراه دولة أو وسام شرفي للحصول على
مال المجني عليه والاستيلاء عليه بزرع الثقة في نفسية المجني عليه عن طريق
اتخاذه لصفة محترمة بين الناس .
د – الادعاء بوجود علاقة قانونية :
كمن
يدعي أنه وكيل عن شخص فيتحصل بذلك على كل ماله (1) ومن يدعي مثلا صفة
تجعله يستفيد من مساعدات اجتماعية كمن يدعي أنه عاطل عن العمل فيستفيد من
المساعدات الاجتماعية ، أو من يدعي جنسية بلد ما للحصول على الامتيازات
الممنوحة من ذلك البلد (2) .
بالمقابل هناك حالات تكتمل فيها أركان جريمة النصب و هي:
1- ادعاء شخص أنه دائن لشخص آخر بمبلغ من المال و ذلك للحصول على قرض من الغير ولم يدعم ذلك بأي وسيلة من الوسائل التدليسية
2-
الادعاء بملكية عقار و القيام ببيعه للمجني عليه و قبض العربون منه فهذا
لا يعد نصب كون المجني عليه كان يجب عليه التأكد من صحة أقوال الجاني عن
طريق الإطلاع على البطاقة العقارية الخاصة بالعقار لدى المحافظة العقارية.
(1)
طعن رقم 40 سنة 2ق جلسة 28/12/1931 (نقض مصري) عن أحمد بسيوني أبو الروس ص
118. ادعاء الوكالة كذبا عن شخص اتخاذ لصفة كاذبة " ادعاء الوكالة كذبا عن
شخص يعد اتخاذ لصفة كاذبة ولو أن بعض الأحكام جرت على أن ادعاء حالة
قانونية أو علاقة تكسب حقا قانونيا لا يكون صفة كاذبة إلا أن أغلب الأحكام
قد استثنت بالذات ادعاء الوكالة وعينت على الأخص حالة من يذهب لزوجة آخر
ويدعي كذبا أنه كلف بأخذ أشياء منها لتوصيلها إليه فإذا ذهب شخص إلى امرأة
وادعى أنه موفد من قبل زوجها لأخذ شيء عينه لها فصدقته وأعطته إياه ، أعتبر
هذا الشخص متخذا لصفة غير صحيحة و حق عقابه بمقتضى المادة 293ع "
(2) بهنام رمسيس المرجع السابق ص2
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
في
الأخير يمكن الإشارة إلى إساءة استعمال صفة حقيقية abus de qualité vraie
مثال ذلك : والي له أراضي فلاحية زراعية فيقوم بالادعاء أمام صندوق
التأمينات الفلاحية أن زرعه أصيب بالإتلاف نتيجة مرض أو أتلف نتيجة حريق و
أنه تضرر من جراء ذلك ، ونظرا لمركزه الهام والحساس فإن صندوق التأمينات
الفلاحية يصدق أقواله ولا يقوم بالتأكد من صحة تلك الادعاءات فيمنح تعويضات
مقابل الضرر الذي أصابه فهل يعد هذا نصبا؟
القضاء الفرنسي اعتبر ذلك من
الطرق الاحتيالية بالتالي يعد نصبا لأن إساءة استعمال الصفة الحقيقية يعد
مظهرا من مظاهر الخارجية المرافقة للكذب أما القضاء الجزائري فلم يفصل في
هذه المسألة بعد.
الفرع الثاني:استعمال المناورات الاحتيالية usage des manœuvres frauduleuses
إلى
جانب استعمال الجاني لأسماء و صفات كاذبة كوسيلة من الوسائل التدليسية نجد
نوع آخر ويتمثل في المناورات الاحتيالية les manœuvres frauduleusesفماذا
نعني بالمناورات الإحتيالية وما الهدف من استعمالها.
أولا: مفهوم المناورات الاحتيالية:
لم
يضع القانون تعريفا جامعا مانعا للمناورات الاحتيالية لأنه عمليا لا يمكن
الإلمام بها جميعا لكن الفقه حاول وضع تعريفا لها وأجمع على أن المناورات
الاحتيالية التي يلجأ إليها الجاني للاستيلاء على مال المجني عليه يكون
قوامها الكذب و المتمثل في الادعاءات و الأقاويل الكاذبة لكن هذه الأخيرة
لا تكفي وحدها لقيام المناورات الاحتيالية (1) حتى لو كان كتابي أو كرره
الجاني بين الناس عن طريق الدعاية بالتالي فلا يعاقب على مجرد الكذب لوحده
سواء كان كتابيا أو شفهيا . لهذا يجب أن يكون الكذب مصحوبا بمظاهر خارجية
كاستعانة الجاني بالغير لتأييد أقواله أو القيام بأعمال مادية و الاستعانة
بأوراق أو كتابات غير صحيحة أو أي شيء آخر.
فالجاني في جريمة النصب شبيه
بالممثل المسرحي الذي ينشد من خلال ذلك إلى جلب انتباه المجني عليه لكسب
ثقته بخداعه و الاستيلاء على أمواله (2)
(1) طعن رقم 2419 سنة 2ق
جلسة 21/10/1932 (نقض مصري) عن . أحمد بسيوني أبو الروس . المرجع السابق ص
85. عدم بلوغ الكذب مبلغ الطرق الاحتيالية إلا إذا اصطحب بأعمال خارجية أو
مادية تحمل على الاعتقاد بصحته
" يبلغ الكذب مبلغ الطرق الاحتمالية إذا
اصطحب بأعمال خارجية أو مادية تحمل على الاعتقاد بصحته . فعسكري البوليس
الذي يستولي بعد تنفيذه حكما شرعيا على مبلغ من المال من شخص بايمانه
بضرورة دفع رسم تنفيذ لهذا الحكم يحق عليه العقاب بمقتضى المادة 293من قا
ع"
(2) د محمد صبحي نجم " شرح قانون العقوبات الجزائري القسم الخاص" ط1990 ص 143
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
كما
قلنا سابقا فالمظاهر الخارجية لا تكمن فقط في الأقوال بل تتعدى ذلك إلى
الأفعال المادية وهذه الأفعال تعد مظاهر كاذبة لتأييد أقوال الجاني من خلال
كل ما ذكرناه يتضح أن المظاهر الخارجية تكمن في:
أ- استعانة الجاني بالغير لتأييد أقواله
ب- استعانة الجاني بأشياء تصلح كدليل لتأكيد و تدعيم صحة أقواله
أ- استعانة الجاني بالغير لتأييد أقواله:
قد
يلجأ الجاني عند استخدامه للوسائل الاحتيالية لتدعيم مزاعمه إلى شخص ثالث
يتولى مهام إضفاء الصحة على أقواله وذلك بأقوال أو أفعال يؤكد فيها
ادعاءاته لدى المجني عليه فيدفع به إلى تصديق مزاعم الجاني معتقدا أن الطرف
الثالث لا تربطه علاقة بالجاني وأنه يريد الخير للمجني عليه لكن لتحقيق
ذلك يجب توفر شرطين:
الشرط الأول: يجب أن يأتي الشخص الثالث أي المتدخل بشيء جديد يضيفه إلى أقوال الجاني حتى تضفي عليها نوعا من الثقة (1)
فأقوال الشخص المتدخل يجب أن تدعم بأقوال الجاني وتكون صادرة من شخصه هو.
حيث
تدفع بالمجني عليه إلى الوثوق بكافة أقوال الجاني وتصديقه وحمله على تسليم
أمواله له، لكن لا تقوم الطرق الاحتيالية إذا كانت أقوال المتدخل سوى
ترديدا وتكرارا لأقوال الجاني دون تدعيمها من جانبه ولا تضيف شيئا للمزاعم
الكاذبة التي أدلى بها الجاني.
كالرسول الذي يتمثل دوره في نقل رسالة
الجاني، فالرسول هنا عبارة عن همزة وصل بين الجاني والمجني عليه سوءا كان
موظفا لديه أو وكيلا عنه، فالقانون في هذه الحالة لا يحمي المجني عليه كونه
أسرع في تصديق أكاذيب الجاني التي أوصلها له الرسول لكن الوضع يتغير في
حالة تدخل الرسول بأقوال غير أقوال الجاني ودعمها بمعلومات وأقوال تعطي
الكذب قوة إقناع مثال ذلك المحامي الذي يؤيد أقوال موكله والمخبر الذي يؤكد
صحة تقرير الخبرة والمعلومات التي جاءت فيه. فكل هذه المعطيات تدخل
الاطمئنان في نفس المجني عليه وتدفعه إلى الثقة بالجاني(2)
(1) بهنام رمسيس المرجع السابق ص2230
(2) د محمد صبحي نجم المرجع السابق ص 145
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
الشرط
الثاني: يجب أن يكون تدخل الغير بناء على طلب الجاني بنفسه وبسعي منه فإن
تدخل الغير من تلقاء نفسه دون سعي من الجاني فهذا لا يكفي لقيام المناورات
الاحتيالية بالتالي يجب أن يكون الجاني هو من دفع بالشخص الثالث للتدخل
لتأييد صحة أقواله(1) ويكون ذلك في حالتين:
الحالة1: تواطأ الجاني
واتفاقه مع الشخص الثالث أي المتدخل للقيام بذلك الدور حتى يتوصل إلى إيقاع
المجني عليه في الغلط في هذه الحالة يسأل المتدخل كمساهم للمحتال أي شريك
له.
الحالة2: قيام الجاني بخداع المتدخل بأقواله لدفعه إلى تأييد مزاعمه
لإيقاع المجني عليه في الغلط ففي هذه الحالة يعد المتدخل ضحية الجاني لأنه
هو الآخر وقع أيضا في الغلط إلى جانب المجني عليه فلا يسأل جزائيا بل يسأل
الجاني وحده( 2)
طرق تدخل الشخص الثالث متعددة اما بحضور المتدخل مع
الجاني لتأييد أقواله ويكون ذلك عن طريق الكتابة حيث يقوم المتدخل بإرسال
رسالة للمجني عليه لإقناعه بمزاعم الجاني وقد يكون عن طريق استشهاد الجاني
بورقة أو سند صادر عن المتدخل رغم عدم حضوره ولا يهم إن كان الشخص المتدخل
حقيقي أو وهمي. وقضت محكمة النقض المصرية أنه يشترط لوقوع النصب بطريق
الاستعانة بشخص آخر على تأييد الأقوال والادعاءات الكاذبة أن يكون الشخص
الآخر قد تدخل بمسعى الجاني وتدبيره وإرادته لا من تلقاء نفسه بغير طلب أو
اتفاق وأن يكون تأييد الآخر في الظاهر لادعاءات الفاعل تأييدا صادرا عن
شخصه هو لا مجرد ترديد لأكاذيب الفاعل....(3)
(1) طعن رقم 1288 سنة ق
جلسة 20/05/1935 (نقض مصري) عن /أحمد بسيوني أبو الروس المرجع السابق ص
86"تأييد مزاعم المتهم بتدخل شخص آخر كاف لعدة من الطرق الاحتيالية التي
تقوم عليها جريمة النصب " إذا أخذ قرار قاضي الإحالة بالوقائع التي تضمنها و
صف التهمة المقدمة من النيابة فيما يتعلق بجريمة النصب ومن هذه الوقائع "
أن المتهم الثاني أيد المتهم الأو ل فيما أوهم به المجني عليه من انه قادر
على استرداد مواشيه المسروقة "فلا يصح بعد هذا أن يصور القرار الواقعة على
أنها مجرد وعد كاذب من المتهم الأول باستحضار المواشي لا يكفي وحده لتكوين
جريمة النصب ما دام لم يصطحب بأي نوع من طرق الاحتيال يحمل المجني عليه على
تصديق هذا الادعاء ،ذلك بان هذا الوعد الصادر من المتهم الأول قد صحبه
توكيد من المتهم الثاني بصحة مزاعم المتهم الأول وتأييد لما ادعاه من
القدرة على رد المواشي المسروقة ،ومثل هذا التوكيد يعتبر قانونا من قبل
الأعمال الخارجية التي تساعد على حمل المجني عليه على تصديق المتهم فيما
يزعمه من الادعاءات وبهذه الأعمال الخارجية يرقى كذب المتهم إلى مرتبة
الطرق الاحتيالية التي تقوم عليها جريمة النصب "
(2) بهنام رمسيس المرجع السابق ص2300
(3) طعن رقم 5855 سنة 1983 تاريخ 18/01/1983
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
كما
قضت " أن إساءة الموظف استعمال وظيفته خصوصا إذا استعان بشخص آخر على
تأييد أقواله وادعاءاته المكذوبة وتدخل هذا الأخير لتدعيم مزاعمه يعتبر من
قبل الأعمال الخارجية التي تساعد على حمل المجني عليه إلى تصديق الادعاءات
وبهذه الأعمال الخارجية يرقى الكذب إلى مرتبة الطرق الاحتيالية الواجب
تحققها في جريمة النصب " (1)
2- اتفاق الجاني مع شخص آخر للتظاهر
بإفلاسه وحمل الغير على الاعتقاد أن أمواله ستباع بالمزاد العلني وعند
افتتاح المزاد يتدخل الغير في المزايدة لرفع الأسعار وليس للشراء حتى يرسو
المزاد على المجني عليه فيشتري بثمن باهض.
ب- استعانة الجاني بأشياء تصلح كدليل لتأكيد وتدعيم صحة أقواله:
تدخل
ضمن مظاهر الخارجية التي يستعين بها الجاني لتدعيم أكاذيبه استعانته
بأشياء تصلح كدليل للإقناع وتكمن في بعض التصرفات المادية أو ظروف أخرى
مستقلة عن الكذب والمؤيدة له وهي متعددة ومن غير الممكن حصرها وسنذكر البعض
منها .
1- اتحاد مظهر خارجي: وتكمن هذه الصورة في اتحاد الجاني لمظهر
خارجي يوحي من خلاله أنه من أصحاب الأموال والشركات فيرتدي الملابس الفاخرة
ويقود سيارات فخمة وينزل في فندق 5 نجوم أو يسكن فيلا كبيرة فيدفع الغير
إلى تصديق ما يدعيه وحمله إلى تسليم أمواله له.
أو ظهور امرأة بهيئة
ثراء وذلك بارتدائها لحلي زائف لإيهام الغير بوجود مشروع ضخم وناجح وتدعم
ذلك بعرضها لعينات من بضاعة تزعم أنها متوفرة في مخازنها فتوهم المجني عليه
أن هذا المشروع سيدر عليها بربح طائل فتتوصل بذلك إلى الاستيلاء على ماله
وهذا يعد نصبا.
2- الاستعانة بأوراق غير صحيحة: كأن يدعي شخص بأنه يبيع
بضاعة غالية الثمن ويستعين لدعم مزاعمه بأوراق غير مطابقة للحقيقة وبعد دفع
المشتري للثمن يتضح أن تلك البضاعة لا تساوي الثمن المدفوع من طرف المجني
عليه أي المشتري فهذا يعد نصبا(2)
(1) طعن رقم 118 تاريخ 20/06/1971
(2)
طعن رقم 202 سنة 7 ق جلسة 25/01/1937 (مصر) عن أحمد بسيوني أبو الروس
المرجع السابق ص 87.توفر ركن الاحتيال باستعانة الجاني في تدعيم مزاعمه
بأوراق أو مكاتيب ظاهرها يفيد أنها صادرة من الغير بغض النظر عما إذا كان
لهذا الغير وجود أم لا " إن مجرد تقديم سند مزور إلى الحارس المعين على
أشياء محجوزة والتوصل بذلك إلى الاستيلاء عليها منه يكفي قانونا لتحقيق ركن
الاحتيال في جريمة النصب بإيهام الحارس بهذه الطريقة بوجود واقعة مزورة
،والقول بانعدام هذا الركن استنادا إلى أن الحارس كان في مقدوره التحقق من
صحة السند هو دفع موضوعي لا يصح عرضه على محكمة النقض"
الفصــــــل الأول أركان جريمــــــــة النصب
أو
كعرض شخص أرضا للبيع فيقوم بمرافقة المجني عليه أي المشتري إلى موقع جيد
لمنطقة تجارية مثلا ويحمل معه خرائط وأدوات قياس ومستندات الأرض وبعد
الشراء يتبين للمجني عليه أن الأرض التي اشتراها ليست تلك التي شاهدها وأن
هذه الأخيرة تقع في مكان بعيد وقيمتها أقل بكثير من الثمن الذي دفعه.
3-
استغلال صفة حقيقية: تعد الصفة الحقيقية للجاني من المظاهر الخارجية التي
تدعم المزاعم الكاذبة للجاني ويشترط في ذلك أن تكون الصفة التي ظهر بها
الجاني حقيقية وليست منتحلة لأن انتحال الصفة صورة من صور الركن المادي
لجريمة النصب.
والصفة المقصود بها كمظهر خارجي هي تلك الصفة التي يتمتع
بها الجاني والتي لها علاقة بعمله وعلى النحو الذي يسمح له بالاتصال بالغير
وتسهل عملية تصديق هؤلاء للمزاعم الكاذبة التي يدعيها الجاني للتوصل إلى
الاستيلاء على أموالهم لأن وجود تلك الصفة توحي للآخرين أن صاحبها صادق في
ادعاءاته وأن اكتشاف الحقيقة صعب في هذه الحالة لمن يتعامل مع الجاني من
خلال هذه الصفة.
مثال ذلك أن يستولي ممرض في المستشفى على مبلغ من
النقود من أهل المريض زعما منه أنه قام بشراء دواء للمريض من حسابه الخاص
أوكأن يوهم موظف أحد الأشخاص أن عليه دفع رسم مستحق للدولة فيستولي عليه أو
أن يقوم إمام مثلا بإيهام امرأة على انه قادر على إرجاعها إلى بيت زوجها
لدى طردها وذلك بصلواته ودعواته مقابل تلقيه لمبلغ من النقود
وكما
ذكرناه فإن نشاط الجاني في هذه الحالة لم يقتصر على الأكاذيب لوحدها بل دعم
ذلك باستغلاله لصفته الحقيقية التي دفعت بالمجني عليه إلى تصديقه ووضع
الثقة فيه.
4- النشر في الصحف: اعتبر القضاء الفرنسي النشر في الصحف والجرائد يشكل مظهرا خارجيا في ذاته كونه يدعم أقوال الجاني.
مثال
ذلك أن يقوم الجاني بالنشر في الصحف على مناصب عمل في شركة ويدعي أنه مدير
تلك الشركة، فيوزع على المهتمين بذلك جدول يبين فيه طبيعة عمل شركته
الوهمية وينشر ذلك باستخدام الإعلانات في التلفزيون والإذاعة فإذا حصل بهذه
الطريقة على مال الغير يعد مرتكبا لجريمة النصب لأن نشر تلك الأكاذيب
وإذاعتها بين الناس تجعل الكثير منهم يصدقونها لأن الناس تصدق ما ينشر
علنيا.(1)
(1) بهنام رمسيس المرجع السابق ص2350
امنقول للفائدة
تــــــــــــــــــــــــابـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع