تعريف الموت:
الموت هو انقطاع الحياة، ويجب التفريق بين موت الشخص وموت الأنسجة، فالأخيرة قد تبقى حية لمدة ما قد تصل إلى ساعتين أو أكثر في بعض الأحشاء أو الأنسجة بعد موت الشخص، والتغيرات التي تحصل بعد الوفاة في الجثث هي ذات أهمية خاصة إذ أنها تساعدنا على تكوين فكرة تقريبية عن المدة التي مضت على الوفاة.
علامات الموت هي:
1- وقوف حركة القلب والتنفس معا لبضع دقائق، ويجب التحقق من ذلك جيدا إذ أنه في بعض الحالات الهستيرية يكون التنفس والنبض ضعيفين لدرجة أن حركات البطن لا ترى ولا يحس بخروج هواء التنفس وكذا قد لا تحس حركات القلب ولا تسمع ضرباته بالسماع كما يحصل في الصدمات العصبية الشديدة فيظن أن الشخص توفي بينما يكون في حالة إغماء فقط، وقد يوقف الشخص تنفسه ونبضه باختياره كما أنه قد يوقف التنفس وحده في حالة التخدير بمثل الكلوروفورم أو غيره.
أ- وقوف القلب: يعرف بانقطاع النبض وعدم سماع حركات القلب بالسماع وعدم احتقان طرف الأصبع عند ربطه وعدم نزول دم من الشريان عند قطعه ولو وضع ضوء صناعي خلف الجزء الدقيق بين أصابع اليد لظهر ذلك الجزء معتما في حالات الوفاة بينما يكون محمرا مضيئا إن كان الشخص حيا.
ب- وقوف حركة التنفس: وتعرف بانقطاع حركات البطن والصدر وعدم سماع حركات التنفس بالمسماع ووقوف خروج الهواء من الأنف أ, الفم وبعدم عتامة المرآة أو جسم معدني لامع مثل غطاء الساعة عند وضعه أمام الفم أو الأنف، وكذلك بعدم تحرك ريشة عند وضعها أمامهما وأيضا بعدم تحرك سائل موضوع في حقنة على الصدر أو البطن.
ويلاحظ أن التنفس قد يقف وحده كما يحصل أحيانا تحت البنج أو في حالات الشنق أو الغرق أو في الأجنة المولودة مختنقة بينما تكون حركات القلب لا تزال مستمرة وكذلك قد يقف القلب في حالات إصابته بينما التنفس يظل مستمرا، وفي هذه الحالات لا يقال أن الوفاة حصلت إلا عند وقوف القلب والتنفس معا لمدة خمس دقائق على الأقل.
2- فقد لمعان العينين، يحصل عادة بعد الوفاة بسبب تكون طبقة خفيفة من المخاط عليها وملاحظة أن هذا قد يتأخر حصوله لو أقفلت العينان عقب الوفاة مباشرة أو لو كانت الوفاة من التسمم بأول أكسيد الكربون أو حامض السياتهيدرك أو في حالات الأسفيكسيا كما يجب أن يفهم أن العينين قد تفقد لمعانهما أثناء الحياة لسبب مرضي.
3- تأثير العوامل المختلفة على الجسم، تنعدم التفاعلات للعوامل الميكانيكية بعد الوفاة مباشرة سواء كان موت الأنسجة قد بدأ أو لم يبدأ بينما يبقى تأثير العوامل الكهربائية ما بقيت حياة الأنسجة.
4- بهاتة الجسم، يعقب الوفاة عادة بهتان شديد في اللون بسبب انقطاع الدورة الدموية إلا أن اللون قد يتغير إلى لون أحمر قاني في حالات التسمم بأول أكسيد الكربون أو الموت من البرد وقد يكون مزرقا في حالات الأسفيكسيا.
5- برودة الجسم، يحفظ الجسم حرارته (حوالي 37 درجة) بتأثير تأكسد الأنسجة والتفاعلات الكيماوية الأخرى فيه ولكن بعد الوفاة تنعدم الدورة الدموية فينعدم معها تأكسد الأنسجة فتصير الجثة كالجماد تتأثر درجة الحرارة فيها بالعوامل المحيطة بها.
والعوامل التي تؤثر على برودة الجسم هي:
一- 一- حالة الجثة: الأجسام البدينة تنخفض حرارتها ببطء إذ أن المادة الذهنية تحت الجلد موزع للحرارة.
二- 二- مكان وجود الجثة: الخلاء والتيارات الهوائية الباردة من عوامل سرعة البرودة بعكس الغرفة المقفلة والأغطية فهي من عوامل بطء البرودة والجثث تبرد في الماء أسرع منها في الهواء وكلما كان الماء باردا كلما أسرعت الجثة في البرودة، أما المواد العفنة فتحفظ للجثة حرارتها أكثر من الماء.
ج- سبب الوفاة: له تأثير هام في سير البرودة ففي حالات الصواعق والاختناق تحفظ الجثث حرارتها لمدة أطول وقد ترتفع الحرارة بعد الوفاة إن كانت نتيجة حالة ميكروبية كما يحصل في بعض حالات الكوليرا نظرا لتكاثر الميكروبات في سوائل الجسم بعد الوفاة لمدة قصيرة وقد ترتفع الحرارة أيضا في حالات الروماتيزم الحاد أو إصابات الجهاز العصبي وفي الأحوال التي تحصل فيها تقلصات في الساعات التي تسبق الوفاة.
6- ارتخاء العضلات: المقصود به هنا هو الارتخاء الأولي الذي يحصل عقب الوفاة بسبب انقطاع التنبيه العصبي لتميزه من الارتخاء الثانوي الذي يحصل بعد زوال التيبس الرمي، ويلاحظ أن هناك بعض حالات لا يحصل فيها الارتخاء بعد الوفاة بل يحصل توتر بالعضلات يصاحب الوفاة.
7- رخاوة مقلة العين: وذلك بسبب فقد توتر سوائل العين وانقطاع الدورة الدموية.
8- تفرطح الأجزاء المنخفضة الملاصقة للجسم الموضوعة عليه الجثة: وتحصل بسبب انضغاط العضلات فالركود، المرتكزة عليها الجثة بتأثير ثقلها وانعدام مرونتها.
9- الزرقة الرمية: هي امتلاء الأوردة الأكثر انخفاضا في الجسم بالدم بتأثير الجاذبية وانعدام الدورة الدموية مضافا إليها تمدد الأوردة بارتخاء عضلاتها وتبدأ الزرقة في العادة بالظهور عقب الوفاة بنحو ساعة كزرقة حقيقية وفي ساعة أخرى يأخذ اللون في الازدياد وتكمل في حوالي أٍبع ساعات ويصير اللون بنفسجيا. وقد تحصل أحيانا في الأحشاء أثناء الحياة قبل الوفاة كما يحصل عادة في حالة الالتهاب الرئوي الركودي، وفي ثمان إلى عشر ساعات تكون الزرقة على أتمها حيث ينعقد الدم في الأوردة وتظهر الزرقة في الأجزاء المنخفضة إلا ما كان مضغوطا عليه، ففي جثة ملقاة على ظهرها يظهر مؤخر الرأس والكتفين والإليتين ومؤخر سعانة الساقين والكعبين باهتا أي خال من الزرقة، وليس من الضروري أن يكون الجزء المنخفض من الجسم هو الظهر، فقد يكون الساقان في حالات الشنق أو الرأس في حالات الغرق وتتوقف شدة الزرقة على بقاء الدم سائلا ولونها على لونه، فكلما كان الدم سائلا عقب الوفاة كلما سهل انخفاضه وزادت شدة الزرقة كما يحصل في حالات الأسفيكسيا وكذا تزداد الزرقة في ممتلئ الجسم الذين يموتون فجأة، وتقل الزرقة في حالات الوفاة من النزيف أما لونها فيكون غامقا في حالات الأسفيكسيا نظرا لخلو الدم من الأكسجين وتكون محمرة زاهية في حالات التسمم بأول أكسيد الكربون وحامض السيانهيدريك أما في حالات التسمم بكلورات البوتاسا ومخفضات الحرارة فيكون بلون عكر كلون الشوكولاته نظرا لتكون الهموجلوبين.
وعند تجمد الدم في القلب والأوعية تسقط الكرات إلى أسفل ويبقى المصل أعلا، فلو فحصت جلطة بالقلب مثلا فشكلها يوري الوضع الذي كانت عليه الجثة فإن كانت باهتة اللون صلبة في قسمها العلوي غامقة اللون محمرة في قسمها السفلي دل ذلك على أن وضع الجثة لم يتغير، وإن كانت باهتة اللون في قسمها السفلي محمرة في قسمها العلوي دل ذلك على أن الجثة قد تغير وضعها بعد انعقاد الدم ويتغير وضع الزرقة بتغير وضع الجثة قبل مرور ثمانية ساعات أي قبل انعقاد الدم، أما بعد هذه المدة عندما ينعقد الدم فتغير وضع الجثة لا يؤثر في مواضع الزرقة الرمية وتظهر الزرقة في الأحشاء الداخلية كما تظهر في الجلد، ففي جثة ملقاة على ظهرها يرى مؤخر الرئتين مزرقا بينما يكون مقدمها باهتا وكذا يكون مؤخر المخ محتقنا ومقدمه باهتا فيلزم تميز هذا من الاحتقان المرضي الذي لا يقتصر على الجزء المنخفض من الأحشاء.
وأهمية الزرقة الرمية من الوجهة الطبية الشرعية هي:
- أولا:معرفة المدة التي مضت على الوفاة.
- ثانيا : لمعرفة موضع الجثة وما إذا كان قد تغير من عدمه.
- ثالثا: قد تشير درجة الزرقة ولونها إلى سبب الوفاة.
وقد يخلط بعض الفاحصين بين الزرقة الرمية والتكدم، ومن الأهمية بمكان في حالات القتل التمييز بين الزرقة الرمية وبين الكدمات، لذا نورد فيما يلي أهم المميزات في كل منها.
الزرقة الرميــــــــــــة:
1- تحصل دائما في الأجزاء المنخفضة من الجسم.
2- لا تستصحب بتورم.
3-لا توجد تسلخات في مقابلتها.
4- لا توجد ألوان متعددة في الزرقة.
5-عند القطع ترى بعض نقط دموية متفرقة صغيرة خارجة من الأوعية.
6- حافتها غير محدودة.
التكــــــــــــــدم:
1-يمكن أن يحصل في أي مكان في الجسم.
2- مصحوب بتورم.
3-تتعدد الألوان إن كان مضى عليها بضعة أيام.
4- قد توجد تسلخات.
5- يرى انسكاب دموي خارج الأوعية في الأنسجة نتيجة تمزق الأوعية.
6- حافة التكدم محدودة.
10- التيبس الرمـــــي: يبدأ عادة مع حصول الزرقة الرمية حيث تتصلب العضلات بعد أن تكون قد ارتخت عقب الوفاة مباشرة ويبدأ عادة بعد ساعتين من موت الشخص بشكل تيبس خفيف بجفني العينين والفك السفلي والعنق ثم يمتد التيبس إلى أسفل بالتدريج إلى الصدر والبطن ثم الأطراف العليا ثم السفلي.
وهذا التيبس يحصل نتيجة مقاومة العضلات للموت فيتكون بسبب ذلك حامض اللينيك من الجليكوجني وهذا يتفاعل مع المواد الزلالية الفضلية فتجمدها مما يؤدي إلى انكماش العضلات وتيبسها وبحث العضلات في أثناء التيبس يعطي تفاعلا حمضيا يظهر أثره على ورقة عباد الشمس.
ويتم التيبس في حوالي اثني عشر ساعة ثم يظل كذلك حتى يبدأ التعفن الرمي بعد حوالي يوم في الصيف ويومين في الشتاء تقريبا ويزول التيبس بالترتيب الذي بدأ به، أي أن الفك يرتخي أولا ثم عضلات العنق والجذع ثم الأطراف وبتتبع هذا الترتيب يمكننا أن نعرف ما إذا كان التيبس مبتدئا أو آخذا في الزوال وعندما يزال التيبس عنوة كما يحصل أثناء خلع الملابس فإنه لا يعود إلى الظهور ثانية، وقد تتمزق العضلات أثناء ذلك، وعلينا أن نميز تمزق العضلات الذي يحصل بهذا الشكل بعد الوفاة، وتمزيقها نتيجة صدمة قبل الوفاة، فإن الأخير يكون مصحوبا بانسكاب دموي، ويكون انكماش العضلات فيه على أتمه، أما تمزق العضلات بعد الوفاة فلا يستصحب بانسكاب ويكون بانكماش العضلات فيه قليلا.
وجميع عضلات الجثة سواء كانت إرادية أو غير إرادية تتأثر بالتيبس الرمي، ولهذا فالجلد الذي يكون أملسا قبل الوفاة قد يأخذ شكل جلد الإوز بعد الوفاة في بعض الأحوال من تأثير انقباض العضلات حول قاعدة الشعر وكذا تنقبض الحدقتان وقد يحصل هذا بدون تساوي وينقبض البطين الأيسر من القلب وعضلات البطين المذكور هي أول العضلات الغير إرادية التي تتيبس في الجسم ويؤدي تيبسها إلى طرد الدم من التجويف الأيسر فيرى خاليا من الدم عند عمل الصفة التشريحية وينكمش الطحال بعد الوفاة ويتكرش سطحه وينكمش الصفن وترتفع الخصيتان وتنكمش حلمتا الثدي.
العوامل التي تؤثر على مدة بقاء التيبس الرمي:
إذا اعتبرنا التيبس الرمي دفاع العضلات ضد الموت أمكننا أن نفسر أنه كلما كانت العضلات سليمة وقوية كلما اشتد وطال دفاعها وعلى ذلك يبدأ التيبس بطيئا في هذه الحالات ويكون قويا يستمر مدة طويلة، أما منهوكي القوى أو بعد الجهاد الطويل قبل الوفاة فإن التيبس يبدأ بسرعة يستمر مدة قصيرة ويكون ضعيفا كلما بدأ بسرعة كلما زال بسرعة وأيضا ارتفاع حرارة الجو تسرع في ظهوره ولكن بشكل ضعيف، أما البرودة فلو أنها تؤخر ظهوره إلا أنها تجعله طويلا ، وفي صغيري السن والمتقدمين فيه يكون التيبس ضعيفا ومدنه صغيرة وقد يحصل التيبس في الأجنة التي تموت في الرحم حتى أثناء حياة الأم، ولذا فإننا قد نجد أحيانا صعوبة في إخراج جنين في حالة تيبس رمي من رحم أمه.
التوتر الرمـــي:
أحيانا بدل أن ترتخي العضلات عقب الوفاة تتوتر في وقت الوفاة ويحصل ذلك في أحوال إصابات الجهاز العصبي أو الصدر وأحيانا في الموت الفجائي أو في الغرق وعند الانتحار وللتمييز بين التيبس والتوتر الرمي يحسن أن نلاحظ ما يأتي:
التيبس الرمي:
1) يحصل في جميع الحالات.
2) يأتي تدريجيا.
3) يعم جميع أجزاء الجسم.
4) يحصل نتيجة تفاعل كيميائي.
التوتر الرمي:
1) يحصل في بعض الحالات.
2) يأتي فجأة وقت الوفاة مباشرة.
3) قد يحصل في بعض أجزاء الجسم.
4) يحصل نتيجة تأثير عصبي.
وأحيانا تتيبس الجثث المحترقة بسبب ارتفاع الحرارة وتأثيرها على المواد الزلالية بالعضلات وأحيانا تتيبس نتيجة التعرض للبرودة الشديدة إذ تتجمد سوائل الجسم بالأخص السائل السينوفي، وفي هذه الحالة يحس عند محاولة تحريك المفاصل بقرقعة، والتيبس الناشئ عن البرودة يعطل حلول التيبس الرمي العادي فإذا ما نقلت الجثة إلى مكان دافئ زال تيبس البرودة وأعقبه بعد حوالي ساعة التيبس الرمي العادي.
أهمية التيبس الرمي من الوجهة الطبية الشرعية:
1) يساعد على معرفة المدة التي مضت على الوفاة.
2) يعطي صورة على الوضع الذي كانت عليه الجثة وقت الوفاة أو بعده إذ أن العضلات تتيبس في هذا الوضع عادة.