نصيحة الحسين رضي الله عنه للعاصي
إن مسألة المراقبة مسألة مهمة، فهذا سيدنا الحسين رضي الله عنه جاءه رجل وقال له: كلما أتوب أرجع، يعني: أتوب من الغيبة ثم أرجع، وأتوب من النميمة ثم أرجع، وأتوب من أكل الحرام ثم أرجع، وكلنا مثل هذا الرجل. فقال له سيدنا الحسين رضي الله عنه: عليك بخمسة أشياء: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه. قال: كل مكان يراني فيه. وأحد الشباب ذهب إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال له: أذنبت ذنباً، قال له: (أما علمت أن الله قد كان يراك، قال: أوقد كان يراني؟ أوقد كان يراني؟ أوقد كان يراني؟ ثم خرجت روحه. فغسله الرسول صلى الله عليه وسلم بيديه، وكفنه وصلى عليه ولحده في قبره، وقال: اللهم إني أمسيت عنه راضياً اللهم فارض عنه. قال ابن مسعود : يا ليتني كنت صاحب ذلك القبر). فهذا شديد الخوف من الله. ولو أن صاحب قصر جاء بمن يعمل له في القصر عملاً وذهب هو، فانقسم العمال ثلاثة أقسام: قسم ذهب ونام، لأن صاحب الشغل ليس موجوداً، والقسم الثاني: كانوا يشتغلون قليلاً وينامون قليلاً، والقسم الثالث قالوا: نحن نحلل القرش الذي نأخذه، ونعمل الذي علينا لإرضاء الله، ثم في ساعة الحساب اكتشفوا أن صاحب القصر لم يمش وإنما كان مختبئاً في غرفة في الداخل ينظر إليهم، فكيف سيكون حال الذي لم يشتغل؟ ولله المثل الأعلى، فربنا أنزلنا إلى الأرض للعمل، وأخبرنا أنه مطلع علينا ومراقب لنا في كل وقت. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي زمان على أمتي يمر الرجل بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانه) أي: ولم أنظر إلى هذه البلايا، مثل: ولد يطرد أمه، أو ابن يأخذ أباه إلى دار المسنين. نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الابتلاءات كلها، وألا تكون بليتنا أو مصيبتنا في الدين، آمين يا رب العالمين! قال الحسين: فإن أنت لم تعمل هذه فإن أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله. وهذا مثل الأب الذي يقول لابنه: كيف أصرف عليك وأتعب أنا وأمك من أجلك ثم تعصينا! فما بالك بالذي يغذيك الحياة كلها؟! ثم قال: والثالثة: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في ملك غير ملكه. فعيب عليك أن تعصيه في داخل ملكه، فكن مؤدباً، ونحن ضيوف على الله في أرضه، فلابد أن نعمرها كما أراد، قال تعالى: هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود:61]. وتعمير الأرض يكون بطاعة الله، وتخريبها بمعصيته. فقال: هذه شديدة جداً، قال له: الرابعة: إذا أردت أن تعصي وجاءك ملك الموت فقل له: أخرني حتى أتوب. أي: لماذا أنت مستعجل علي؟ انتظر قليلاً حتى أتوب. وسيدنا موسى الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دخل بيته فوجد فيها رجلاً غريباً، فما كان من موسى عليه السلام إلا أن لطم الرجل على وجهه ففقأ عينه، فالرجل اختفى، فعلم موسى أن الزائر ليس من بني آدم وإنما هو ملك الموت، فلبث قليلاً ثم عاد فقال: من؟ قال: ملك الموت، فجلس موسى عليه السلام على الأرض، ولقاء الله ليس سهلاً يا إخواني! ولكن الناس فقط نائمة. وفي رواية مسلم : أن ملك الموت قال: (يا رب! أرسلتني إلى رجل يكره الموت)، وفي رواية الترمذي : (قال موسى: يا رب! هل رأيت حبيباً يسيء إلى حبيبه؟ قال: يا موسى! وأنت هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه؟ يا ملك الموت! مر موسى أن يضع يده على جلد الثور، وبعدد الشعرات التي تحت يديه نعطيه عن كل شعرة سنة زيادة، قال موسى: ثم ماذا بعد؟ قال: الموت. قال: فخذني الآن إلى ربي). قال الحسين : إن أردت أن تعصي الله وأتى لك ملك الموت فقل له: انتظر، قال: لا ينفع هذا. قال: والخامسة: إن أردت أن تعصي الله فإذا وقفت بين يديه يوم القيامة وقال: عبدي لم عصيتني؟ فقل: أنا لم أعصك يا رب! قال له: أكون كذاباً في الدنيا وأكذب على الله في الآخرة؟! أشهد الله أني قد تبت إليه توبة خالصة نصوحاً.
[b]