البصمة الوراثية حددت بدقة الاب البيولوجي
الأستاذ رشيد مشقاقة مستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط
اختتم الأستاذ عبد الكريم شهبون حديثه عن النسب في تعليقه على مدونة الأحوال الشخصية بقوله : " ولا يلتجئ إلى هذه الوسيلة ـ أي التحليل الطبي ـ في نفي النسب، لان هذا الفصل من المدونة ينص على ان القاضي في حكمه يعتمد على جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب، وليس من بين هاته الوسائل وسيلة التحليل الطبي".
وفي قرار للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 9 فبراير1982 منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد37 جاء فيه….
حيث ان قاعدة الولد للفراش لا يجوز دحضها الا بالوسائل المقررة شرعا لنفي النسب، وانه إذا كان الشرع والقانون يعتدان برأي اهل الخبرة من الاطباء في عدة مسائل فانهما لم يعتدا برأيهم فيما يرجع لنفي النسب استنادا إلى عدم قابلية الزوج للاخصاب ما دام في وسع ذلك الزوج نفي النسب عن طريق اللعان…"
هذا القرار القضائي وذلك الراي الفقهي يصبان في خانة واحدة، وهي ان بين الطلب القانون خصام ابدي في باب اثبات النسب أو نفيه، وعلة ذلك بحسب هذا المنظور، ان النص القانوني لا يستوعب هذه الوسيلة من وسائل الاثبات هذا في الوقت الذي أبلى العلم بلاء حسنا في مجال علم الوراثة وقدم للبشرية حلولا يقينية في هذا الشان، وهو ما حفز عددا مهما من رجال القانون إلى المطالبة بتدخل تشريعات بلدانهم بتعديلات تعطي للطب اعتباره في مجال القانون عموما والنسب على وجه الخصوص، اذ لا يتصور عقلا ان نؤمن براي منكر للنسب ونصدقه في قوله ولو مع احتمال الشك، ونكذب التحليل العلمي. بل ان الشريعة الإسلامية الغراء وأراء الفقهاء المسلمين تسير في غير هذا المنحى، وهو ما يدفعنا إلى بسط اخر ما وصل إليه التقدم العلمي في هذا الباب ثم التعرض لامكانية الاخذ بالتحليل الطبي مقترحين على المشرع المغربي ان يكرسه ضمن تعديلات مدونة الأحوال الشخصية، لما في ذلك من احقاق للحق واستتباب للعدل.
أولا : الانجاز العلمي الباهر في ميدان النسب
إذا كان نظام الفصائل الدموية غير كاف للجزم بثبوت نسب الولد إلى الاب، على اعتبار ان الفصيلة الدموية الواحدة يتقاطع فيها اكثر من شخص، فان بعض الراي يذهب إلى القول بان من واجب المحكمة ان تاخذ بالدفع المثار من لدن الاب الرامي إلى نفي نسب الولد عنه والالتجاء إلى التحليل الطبي، اذ انه لو ظهرت في الولد فصيلة دموية غير تلك التي يتوفر عليها الاب لكان ذلك دليلا قاطعا على ان الولد ليس من صلبه، وعدم استجابة القضاء لهذا الدفع يعتبر مساسا بحقوق الدفاع، ولا يؤخذ بهذا الدفع في مجال اثبات النسب كما اسلفنا لإمكان توافق الفصيلة الواحدة مع عدة فصائل اخرى لاشخاص اخرين. ان هذا التقاطع في نظام الفصائل الدموية هو الذي حث العلماء على ضرورة البحث عن الاب البيولوجي الذي لا اب سواه، وقد ادرك العلم مبتغاه فعلا بان اكتشف حمضا معينا في جسم الانسان، يحمل في جزء من تركيبته الصفات الوراثية الخاصة بكل فرد " نوع الفصيلة ـ نوع البروتين ـ الانزيمات ـ شكل بصمات الاصابع ـ لون البشرة ـ الشعر ـ الطول ـ النوع " وتسمى هذه الصفات بالبصمة الوراثية، اذ ان لكل شخص بصمته الوراثية، التي لا تتكر
المزيد