حقوق الإنسان بين المفاهيم الغربية وفي الإسلام
تعني
حقوق الإنسان حرفياً تلك الحقوق التي تؤول إلى الفرد ببساطة لأنه بشر أي
"حقوقه كإنسان". ويثير هذا التعريف سؤالين نظريين جوهريين: ما معنى أن يكون
للمرء حق؟ وكيف أن يكون الإنسان إنساناً يؤدي إلى نشوء الحقوق؟
لكلمة حق Right في اللغة الإنجليزية، والكلمات المماثلة لها في اللغات
الأخرى، معنيان جوهريان أحدهما أخلاقي والآخر سياسي؛ فمن ناحية تعني أن
شيئاً ما صح، ومن الناحية الأخرى تعني حقاً يعود على الفرد. وبالمعنى الأول
لصحة الشيء وعندما نتحدث عن شيء صحيح فإننا نقول إن هذا العمل صحيح. أما
بالمعنى الثاني وهو الحق فإننا نتحدث عن شخص يملك حقاً. ونحن نتحدث بهذا
المعنى الأخير فقط عندما نشير إلى الحقوق في صيغة الجمع (حقوق Rights).
وإذا كنا سنأخذ حقوق الإنسان مأخذ الجد كحقوق تعود على الفرد لأنه إنسان،
فإن الخطوة الأولى هي فهم ما الذي يعنيه أن يكون للمرء حق.
إن الحقوق هي حقوق الملكية التي تقوم عليها دعاوى لها قوة خاصة. أن يكون
للمرء حق في س، يعني أن له حقاً خاصاً في أن يمتلك س ويستمتع به. وهكذا
يحكم الحق العلاقة بين مالك الحق ومنفذ الالتزام، طالما كانت العلاقة
مستندة على هذا الحق.
علاوة على ذلك، أن يكون للمرء حق، يعني أن تحول سلطة المطالبة بهذا الحقوق،
والتي عادة ما تثير المنفعة والسياسات الاجتماعية والأسباب الأخلاقية أو
السياسية الأخرى للتصرف، وتضع هذه التصاعدية صاحب الحق في وضع السيطرة
المباشرة على العلاقة؛ أي أن الواجبات الملازمة للحقوق تخص صاحب الحق، الذي
هو حر إلى درجة كبيرة في التصرف فيها كلما يرى ذلك مناسباً.
وبالتالي.. علينا التمييز بين ثلاثة أشكال متمايزة للتفاعل الاجتماعي الذي
يتضمن الحقوق:
1- الممارسة الجازمة (المؤكدة) للحق: حيث يمارس الحق (تتم المطالبة به)
ويستجيب منذ الالتزام باحترام هذا الحق (أو انتهاكه). ويمكننا القول أنه
نتيجة "الممارسة الجازمة" أن هذا الحق يتم التمتع به (أو لا يتمتع به
الشخص) بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح.
2- التمتع المباشر بالحق: حيث يأخذ منذ الالتزام بنشاط هذا الحق في حسبانه
في تحديده لكيفية سلوكه أو سلوكها، بحيث يمكننا القول أن هذا الحق يحترم
(أو ينتهك)، أو القول أنه يتم التمتع به. ففي حالة التمتع المباشر بالحق لا
توجد ممارسة (مطالبة) للحق بواسطة صاحبه.
3- التمتع الموضوعي بالحق: كما في المثال المذكور أعلاه الخاص بشراء قطعة
الخبز، حيث يمكننا القول أن موضوع الحق يتم التمتع به لكن لا تتم ممارسة
الحق، ويمكن حتى بسط المصطلح والقول أن الحق يتم احترامه.
يجب أن يكون التمتع الموضوعي بالحقوق هو المعيار. وإذا أريد ألا يتم تآكل
الانسجام الاجتماعي بدرجة كبيرة، فإن التكاليف والقلاقل وعدم الشعور بالرضا
والتوترات المرتبطة بالتمتع المباشر بالحقوق يجب أن تكون هي الاستثناء
وليست القاعدة. ومع ذلك، فإن الممارسة الجازمة هي مظهر محدد للحقوق (على
عكس من مجرد الحقوقية)، ولها أهمية لا مثيل لها لصاحب الحق. وما لم يتمكن
المرء من المطالبة بشيء كحق من حقوقه "استحقاق" ـ أي ما لم تكن الممارسة
الجازمة متاحةماماً ـ ربما يتمتع الشخص بمنفعة، لكن ليس له حق. وتكمن
القيمة الحقيقية للحق في التخويل الخاص الذي منحه للمرء لإثارة دعوى حق،
إذا كان التمتع بموضوع الحق مهدداً أو ممنوعاً.
وهكذا فإن ملكية الحق لها قيمة هامة بالتحديد، عندما لا يمتلك المرء موضوع
الحق ـ أي عندما يحرم المرء من التمتع المباشر أو الموضوعي بالحق ـ وقد
أطلقت على هذا الوضع "تناقض امتلاك الحقوق": أي أن تمتلك حقاً ولا تمتلكه
في نفس الوقت،ويكون هذا الامتلاك مهماً خصوصاً عندما لا يمتلك المرء هذا
الحق بالتحديد. إن تناقض الامتلاك هذا هو سمة كل الحقوق، وسنرى فيما بعد أن
لهذا التناقض مدلوله الخاص بالنسبة لحقوق الإنسان. علينا أن نميز بين
امتلاك الحق والاحترام الذي يحوزه وسهولة وتكرارية نفاذه.
ففي دنيا القديسين، تحترم الحقوق بشكل واسع، ولكن نادراً ما تنفذ (فيما عدا
من خلال "الإنفاذ الذاتي" من قبل منفذي الواجبات القدسية). أما في حالة
الطبيعة.. فمن النادر احترام الحقوق (وبالتالي تحترم من خلال الرغبة
الذاتية لمنفذ الواجبات فقط)، ويكون الإنفاذ من خلال المساعدة الذاتية فقط.
ولكن هذه الظروف المتباينة، لاحترام وإنفاذ الحقوق، لا تحدثنا عن الحقوق
التي يمتلكها أس شخص. فمثلاً، لدى نفس الحق في سيارتي سواء كانت قابعة في
الجراج، أو استعيرت دون أذني سواء لغرض خير أو شرير، أو شرقت ولكن أعيدت
إلى لاحقاً، أو سرقت ولم أراها بعد ذلك أبداً (سواء تم البحث عن السارق أم
لا، أو اعتقل ووجه إليه اتهام وحوكم أو برئ).).
بقلم المستشار/ محمد محمد صالح الألفي :منقول