لقد غيرت المعلوميات بشكل كبير العديد من المفاهيم القانونية خاصة في مجال القانون الجنائي، نظرا لظهور قيم حديثة ذات طبيعة خاصة، محلها معلومات ومعطيات. فقد أصبحت جريمة إفشاء معلومات برامج الحاسوب والاعتداء
عليها بالقرصنة أو الاستغلال غير المشروع، من أخطر أنواع الجرائم التي
أوجدتها المعلوميات. ويعد هذا ضربا حقيقيا ليس فقط لحقوق مبتكريها الخاصة،
بل وأيضا مسا خطيرا بحقوق المجتمع ككل. مما ينعكس سلبا على الاقتصاد
الوطني، مع ما يمكن أن يستتبعه من زعزعة للأمن الاجتماعي والاقتصادي. ولا
أدل على ذلك، من أن "بعض الألعاب الإلكترونية التي يبدعها بعض المؤلفين
مستغلين كل الإمكانيات الهائلة التي تتيحها النظم الخبيرة، يكلف إنجازها
مئات الآلاف من الدولارات ويستقطب ما يناهز مئات العقول المبدعة والأيادي
العاملة الخبيرة وكذا العديد من مناصب الشغل. الشيء الذي يدفعنا إلى تقدير
الخسائر التي يمكن أن تمنى بها هذه الملكية الفكرية، حال تعرضها لأعمال
القرصنة" .
لكن، في غياب نصوص قانونية خاصة بهذه الجرائم الحديثة الواقعة على ما أصبح
يصطلح عليه اليوم "بالأموال الفكرية أو المعلوماتية" ، أيمكن الرجوع دائما
إلى القواعد العامة في التجريم، كمبدأ عام؟. هل هي كافية لصد أخطار التعدي
غير المشروع على
برامج الحاسوب؟،
أم لابد من تدعيمها بقواعد تجريمية جديدة تتناسب والطبيعة الخاصة لبرامج
الحاسوب؟. هذا ما سأتطرق إليه من خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول: القرصنة بأنواعها، أخطر الجرائم الواقعة على
برامج الحاسوب.
المبحث الثاني: مدى كفاية
قواعد القانون الجنائي في حماية المصالح وحفظ النظام العام.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------

المبحث الأول: القرصنة بأنواعها، أخطر الجرائم الواقعة على
برامج الحاسوب:
لقد سهل التطور التكنولوجي لأجهزة ومعدات النسخ، ظهور صناعة نشطة متخصصة في استنساخ
برامج الحاسوب وتسويقها
محليا ودوليا. ويتمكن أصحاب هذه الصناعة، من الحصول على حصص مهمة من
الأرباح، وبالتالي الاستحواذ على نسبة مهمة من الزبناء. مما يحدث أضرارا
كبيرة بأصحاب الحقوق على البرامج وذلك بتكبيدهم خسائر مهمة ، نظرا لأن
تسويق نسخ البرامج يكلف أقل بكثير من النسخة الأصلية.
ونظرا لتنوع أشكال الاعتداءات على
برامج الحاسوب، فقد حاول البعض تعريفها وتحديد خصائصها، لتمييزها بقواعد خاصة. فما هي القرصنة التي تجب محاربتها؟.
حسب الوثيقة الصادرة عن اليونسكو بباريس سنة 1995، "القرصنة ليست مجرد
تعبير تقني، وهي تقوم على استنساخ أعمال محمية، دون الحصول على الإذن أو
الترخيص من أصحاب الحقوق عليها، لأجل تحقيق ربح سريع" . الفقه الفرنسي أيضا
عرف القرصنة، بأنها "كل إنتاج غير مشروع، بهدف تسويقه وتداوله لحساب
المقرصن". وخطر النسخ غير المشروع للبرامج، "لا يكمن في إعادة إنتاج
دعامته، بل في إعادة إنتاج محتواها" . بعبارة أخرى، القرصنة هي إعادة إنتاج
للمعلومات وللخبرات التي يتضمنها البرنامج المدمج في الدعامة، دون وجه حق.
وبذلك هي تأخذ طابع الصناعة، أكثر من مجرد عمل مادي عادي.
ونظرا لما في قرصنة وتقليد
برامج الحاسوب،
من ضرر كبير على الحقوق وانعكاس سلبي على المجتمع، فإن كل اعتداء عليها
إلا ويعد اعتداء على حق المجتمع ككل. وأهم أنواع هذه الاعتداءات: إفشاء
أسرار البرامج (المطلب الأول)، الاستنساخ والتزييف والتقليد، أو ما يصطلح
عليه اليوم بالقرصنة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إفشاء أسرار
برامج الحاسوب:
إن الحصول على
برامج للحاسوب
بطريقة غير شرعية، واستنساخها، أو الحصول على معلومات سريـة حول طريقة
إنشائها، يعد عملا مجرما قانونا -بغض النظر عن النقاشات الفقهية حول مدى
اعتبارها شيئا ماديا أو معنويا أو خدمة- حيث تكون جريمة السرقة واقعة في
جميع الأحوال، طبقا للف.505 ق.ج. المغربي، الذي يعتبر الاختلاس العمدي لمال
مملوك للغير، سرقة يعاقب عليها. قد تظهر هذه الفكرة بسيطة، لكنها في
الواقع تثير العديد من التساؤلات. فلوقوع جريمة السرقة، لابد أن يكون الشيء
المسروق مملوكا لشخص ما وأن يكون ذو طبيعة مادية. فما مدى انطباق هذه
الأطروحة على
برامج الحاسوب، للقول بوقوع جريمة السرقة عليها؟.
يمكن أن نجيب -دون الدخول في تفاصيل جرائم السرقة- بأن الجدل الفقهي حول مدى اعتبار
برامج الحاسوب شيئا ماديا أو خدمة، قد توصل إلى أن "ما هو مادي في برامج الحاسوب هو
دعامتها المادية، أما البرامج في ذاتها فأعمال فكرية صرفة. ولا يمكن بذلك،
تصور وقوع جريمة سرقة على شيء معنوي: العمل الفكري المدمج داخل دعامته
المادية" . فحين وقوع عملية السرقة، فإنها تقع على دعامة البرنامج (قرص
مرن، أو قرص ليزر…)، أي لا وجود لاعتداء مادي مباشر على القيم غير المادية
المخزنة.
مما يحذو إلى القول، بأن المعلوميات غيرت بشكل كبير مفهوم التجريم، بأن أبانت عن العديد من الجرائم الجديدة، كسرقة وقت
الحاسوب ،
سرقة دعائم البرامج-المصدر أو الهدف، وسرقة المعلومات الخاصة بتصميمها،
وتحطيم الحواسيب أو إتلافها بنشر الفيروسات ، وإفشاء معلومات وأسرار عن
إنشاء وتصميم البرامج الخ. وهذا هو ما أصبح يطلق عليه اليوم، بالجريمة
المعلوماتية (délit Informatique/ La fraude informatique).
إن أولى الاعتداءات الواقعة على
برامج الحاسوب هي
فضح سرية البرنامج، تقليده أو تقليد علامته وإعادة إنتاجه بطريقة غير
قانونية. وأمام الفراغ التشريعي في مجال الجريمة الواقعة على
برامج الحاسوب، "لابد لنا من اقتباس قواعد من ترسانة قواعد القانون الجنائي، لتطبيقها على برامج الحاسوب،
وهي: السرقة والنصب والاحتيال وبطبيعة الحال خيانة الأمانة" . ويلعب بند
السرية التعاقدي في العقود الموقعة مع العميل ومع الأجير على السواء دورا
مهما في هذا المجال، إذ من شأن الحفاظ عليه أن يقي البرنامج من أي محاولة
للقرصنة، لانطواء هذا البند على التزام بالسكوت عن كل ما من شأنه تعريض
أسرار
الحاسوب للانتشار
غير المشروع. وكل من يخرق هذا البند، إلا وتقع عليه المسؤولية الجنائية.
فمن أفضى بأسرار البرنامج للغير، يكون قد أفشى أسرار مهنته وخان الأمانة
الملقاة على عاتقه (الفقرة 1) وبالتالي فضح سر تصنيع برنامج الحاسوب، الذي
استثمر فيه مشغله مبالغ مهمة لإعداده من أجل تسويقه (الفقرة 2).