السنهوري
عدد المساهمات : 2141 نقاط : 6186 النخبة : 0 تاريخ التسجيل : 15/06/2011
| موضوع: رمضان و ترقية للنفس الأحد يوليو 15, 2012 3:00 pm | |
| بقلم: علي بعلجم
الحمد لله الذي بلغنا رمضان وسلمنا إلى رمضان وسلم رمضان لنا, والصلاة والسلام على خير من صلى وصام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه واهتدى بهديه إلى يوم الدين. لقد أظلنا زائر قدير وشهر مبارك وضيف كريم, (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (سورة البقرة: 185), قال ابن الجوزي عليه رحمة الله تعالى: [مثل الشهور الاثني عشر كمثل أولاد يعقوب عليه السلام, وكما أن يوسف أحب أولاد يعقوب إليه؛ كذلك رمضان أحب الشهور إلى الله, وكما غفر الله لهم بدعوة واحد منهم وهو يوسف كذلك يغفر الله ذنوب أحد عشر شهر ببركة رمضان]. رمضان شهر ملئ بالدروس والهبات والعطايا والميزات العظيمة والكثيرة جدا والتي لا توجد في سواه, فهو إذ يعود كل عام فإنه يذكرنا بأمور كثيرة هي في الأصل سلوكيات ثابتة في المسلم الملتزم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, لكنها تزيد وتنقص من شخص لآخر ومن فترة لأخرى, فيأتي رمضان ليذكر بالعودة لها والتمسك بها. ومن هبات رمضان وعطاياه الكثيرة نستعرض أهمها وأعظمها فيما يأتي: رمضان محك اختبار للنفس البشرية وتغييرها وترقيتها: النفس البشرية هي محل البناء وأساس التغيير والآمرة بالخير أو الشر, والناهية عنهما (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة يوسف: 53), ولأهميتها في صلاح وسعادة الدنيا والآخر أو فسادهما وشقاوتهما أقسم الله سبحانه وتعالى -وهو العظيم سبحانه- أحد عشر قسما على أن النفس قابلة للتزكية أو التدسية قال تعالى: (والشمس وضحاها*والقمر إذا تلاها*والنهار إذا جلاها*والليل إذا يغشاها*والسماء وما بناها*والأرض وما طحاها*ونفس وما سواها*فألهمها فجورها وتقواها*قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها) (سورة الشمس: 1-10). بل قد اخبر الله تعالى أن سبب المعاصي هو تسويل وتطويع النفوس قال تعالى عن ابن آدم الأول حينما قتل أخاه: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سورة المائدة: 30), وقال يعقوب مشخصا داء جريمة أولاده: (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (سورة يوسف: 18), (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (سورة يوسف: 83), وحكمة الصيام في رمضان التقوى وأعظم التقوى وقاية النفس عن ما يوردها على النار قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ...) (سورة التحريم: 6), وإذا لم تحصل النفوس التقوى من العبادات والتكاليف الشرعية ومنها الصوم فإن ولا شك صائرة إلى الخسارة وما أعظمها خسارة الإنسان حين يخسر نفسه التي بين جنبيه قال تعالى: (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (سورة الزمر: 15). وفي رمضان طوق نجاة للنفس من الخسارة, فحكمة صيام رمضان أن تتقي النفوس ربها بفعل ما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة البقرة: 183), فالتقوى هي ميزان النفس التي تجعلها تفعل على الوجه الصحيح أو لا تفعل بحسب قوتها وضعفها, فإذا ارتفعت نسبة التقوى في النفوس, فإنها تتغير تغيرا إيجابيا مفض إلى تغير المجتمع كله قال تعالى: (... إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (سورة الرعد: 11). فالإنسان عليه أن يدرك أهمية وقدرة هذه النفس الكامنة في جسمه في التغيير وبناء الإرادة والعزيمة فالمعركة في رمضان أحادية الجانب لأن العدو الشيطاني مقيد بالسلاسل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النيران وصفدت الشياطين"( ), ففي رمضان النفوس تجاهد نفسها لتنتصر من نفسها على نفسها, فإذا انتصرت وشمرت إلى الطاعة وفعل الخير فعليها أن تثبت وتستقيم وتستمر على فعل ذلك فيما بعد رمضان. إرشاد النفوس إلى النظام والتخطيط ورفض الفوضى: إن الإسلام بتكاليفه الشرعية جاء ليرسم للمسلم حياة متقنة متوازنة مخطط لأهدافها ومرسومة معاملها فجعل للصلاة مواقيت (... إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (سورة النساء: 103), وللزكاة أنصبة وحول ومقادير (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (سورة المعارج: 25), والحج مواقيت ومواقف معلومة, والصيام كذلك بدايته ونهايته اليومية محددة معلومة, يلتزم بها الجميع لا فرق بين غني وفقير وسيد ووضيع. تعويد النفس على الحياة الجماعية وترك الأنانية: لا وجود للأنانية في ظل الحياة الجماعية كما أنه لا تستقيم حياة جماعية في ظل الأنانية, والأنانية مرض خطير يصيب النفوس البشرية فتحب لنفسه وتكره الخير للآخرين, ولقد جاءت الفروض الشرعية والتكاليف الربانية للقضاء على هذا الخلق الذميم والدعوة إلى أن يتعايش الناس في حياتهم بروح الجماعية, وهذا واضح وجلي في كثير من العبادات إلا أنه في شهر الصيام أوضح؛ فالصوم جوع جماعي يطبقه المسلمون ليتحقق إحساس الغني بالفقير, والشبعان بالجائع في شتى بقاع الأرض, فيقع الشكر والصبر, وتظهر روح المواساة والمساواة بين المسلمين جميعا, وتظهر الحياة الجماعية أيضا في الآداب والأخلاق المسنونة للصائم من حفظ لسانه وجوارحه فيلتزم في نفسه ولا يوصل الأذى لغيره, ويحافظ على شعور إخوانه المسلمين بل ويدعوهم إلى جميل الأخلاق وكريم الطباع قال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه؛ فليقل: إني صائم"( ), بل قد يعرض المسلم صومه للخلل إذا لم يلتزم بهذا الشعور تجاه إخوانه قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"( ). كما تظهر تلك الحياة في مظهر عظيم يحقق المساواة بين المسلمين, فالفطر بوقت واحد وكذا الإمساك فلا يتقدم كبير ولا يتأخر صغير, وغيرها من المظاهر الأخرى. الصبر نصف الإيمان والصوم مدرسته: الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر قال صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"( ), والصبر خلق عظيم به تنال الإمامة في الدين قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (سورة السجدة: 24), وبه تحصل أعظم الحظوظ الدنيوية والأخروية قال تعالى: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (سورة فصلت: 35). وروي مسلم عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حفت الجنة بالمكاره, وحفت النار بالشهوات"( ), والمكاره تحتاج إلى صبر في الإقدام عليها, والشهوات تحتاج إلى صبر في الإحجام عنها, فالصبر على الطاعة والصبر عن المعصية هما قسما الصبر المعينة على قسمه الثالث وهو الصبر على القضاء والقدر, والابتلاء والمحن, وأعظم مدرسة للصبر هي الصيام حيث تتعود نفس الصائم على الامتناع عن ما تحب وتشتهي من الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس, كذلك هي تتعود الصبر في قيامها للسحور ووقوفها في صلاة التراويح, فحري بالصائم أن يدرك هذا المعنى ويتأمل ويستعين به على بقية الطاعات قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (سورة البقرة: 45), (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة آل عمران: 200). فرمضان إشارة إلى: ر: رغبة في التغيير, م: متعة في أداء العمل والعبادة والدعوة, ض: ضياء في الأولى وفي الآخرة, ا: إرضاء لله تعالى, ثم إرضاء للنفس, وأجر ومغفرة, ن: نور يضيء الطريق. وحتى يصح صوم المسلم ويتقبل منه عليه أن يهتم بأمور منها: 1. النية الخالصة الصادقة, ففي الحديث: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"( ), لأنه أحرى أن يكون فيه إخلاص, وأجدر أن يوجد فيه الإخلاص. 2. التوكل على الله والاستعانة به وطلب التوفيق منه. 3. التعرف على أحكام الصيام وسننه وآدابه, وتطبيقها. 4. القرب من القرآن الكريم قراءة وتأملا وتدبرا وعملا. 5. الصحبة الصالحة المعنية على الإكثار من الطاعات, وحفظ الجوارح من الآثام والموبقات. 6. الطمع فيما عند الله وعدم اليأس من رحمته, فالله سبحانه كريم غفور تواب, رحمته وسعت كل شيء, وفي رمضان ليلة القدر التي قيامها خير من ألف شهر. 7. المحافظة على خصوصية رمضان بتراويحه وقيامه, فهي إلى كونها عبادات يتقرب بها العبد إلى ربه, هي كذلك أعمال رياضية تساعد جسم الإنسان على حرك الدهون في المواد التي تناولها عند فطره. 8. الابتعاد عن المشغلات والمشوشات والمعوقات عن تحصيل فوائد رمضان كالغيبة والنميمة وضياع الأوقات بمشاهدة ما لا فائدة منه في التلفاز, وكثرة النوم, وغير ذلك. 9. عمل شعارات محفزة لكل ليلة من ليالي هذا الشهر الفضيل, من مثل: (أن يرضى الله عني, أن لا يسبقني إلى الله أحد, ألا هل من مشمر, ....). 10. الإكثار من الاستغفار والتسبيح والدعاء: لا سيما في الأوقات الذهبية الثلاثة: بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس, قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كآجر حجة وعمرة تامة تامة"( ). وقبل الغروب إلى الإفطار, ففي الحديث: "إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد"( ). ووقت السحر وهو الوقت الذي قلما يكون الإنسان مستيقظا فيه في غير رمضان – إلا من رحم الله - قال تعالى: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) (سورة آل عمران: 17), وقد جمع الله تعالى هذه الأوقات بقوله سبحانه: (... وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (سورة طه: 130). والمسلم عليه أن يدعو لنفسه ووالديه وأقاربه وجميع المسلمين ففي الحديث: "من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن و مؤمنة حسنة"( ).
الله أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم تقبل منا الصيام والقيام وأكتب لنا التوفيق والقبول يا رب العالمين, اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين, اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع مجيب الدعوات, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين | |
|