الأمن القومي العربي الأمن القومي العربي
الأستاذ عبد الالاه بلقزيز
خص الأستاذ عبد الالاه بلقزيز " الاشعاع" بهذا الموضوع، وهو جزء من بحث نال عليه الجائزة الأولى في الدراسات الانسانية ضمن جوائز الدكتورة سعاد الصباح المنظمة في اطار " الابداع الفكري بين الشباب العربي" لسنة1988 من قبل " منتدى الفكر العربي" الكائن مقره في الاردن والذي يرأسه الدكتور : سعد الدين ابراهيم وقد تبارى للفوز بهذه الجوائز في مجالات الشعر، القصة، والمسرح والدراسات الانسانية اكثر من300 باحث ومبدع شاب عربي.
الأستاذ عبد الاله بلقزيز يدرس مادة الفلسفة ويحضر اطروحة جامعية حول الخطاب الفكري الاصلاحي في المغرب في القرن 19 وبداية القرن20.
كما سبق له ان نشر العديد من المقالات في عدة مجلات وصحف وطنية وعربية.
المجلة
تقديم
شهد عقد الثمانينات الحالي مسلسلا متصلا من وقائع الاعتداء الصريح على الامن القومي العربي من اندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية الى الهجمات الاسرائيلية اليومية المتكررة على بيروت ومدن وقرى الجنوب اللبناني وضرب اسرائيل لمفاعل تموز النووي العراقي، إلى اقدامها على ضم الجولان والقدس إلى احتلاها بيروت وجنوب لبنان واخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية، إلى انتهاكها سيادة تونس وقصفها مقر م. ت ف . في حمام الشط بضواحي العاصمة، إلى ممارسة القرصنة الجوية باختطاف الطائرة الليبية التي تقل عبد الله الاحمر ( الأمين العام المساعد لحزب البعث في سوريا) واجبارها على الهبوط في فلسطين المحتلة، إلى الهجوم الامريكي على ليبيا في خليج " سرت" ثم في طرابلس وبنغازي، إلى اختطاف القوات الامريكية للطائرة المصرية التي تقل امين عام جبهة التحرير الفلسطينية ( ابو العباس) والفدائيين الثلاثة ( الذين اختطفوا سفينة " اكلي لاورو" واجبارها على الهبوط في احدى القواعد الامريكية في ايطاليا، إلى التدخل الامريكي في لبنان والخليج إلى اقدام فرق الموساد على اغتيال نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية خليل الوزير ( ابو جهاد).
واذا اضفنا إلى هذه الوقائع ما آلت إليه الاوضاع السياسية الداخلية والاقتصادية ـ في العالم العربي ـ من ترد وتدهور، جراء الصراعات الطاحنة التي تنحو منحى العنف الاهلي، كما يحدث في لبنان، مضروبا في ظاهرات الاحتقان الاجتماعي الطائفي والمذهبي في غير قطر عربي ( والتي تولد ازمة ثقة اجتماعية تهدد بدورها بتوليد حالات من الصراع الاهلي، كما يؤشر إلى ذلك بعض ما يحدث على الساحتين السودانية والمصرية) وكذلك الاخفاقات المتكررة للمشاريع التنموية العربية، وتعمق علاقات التبعية الاقتصادية للعالم الخارجي، ومنها التبعية الغذائية.. الخ، إذا اضفنا هذا كله، اتضحت جديا الاخطار التي تهدد الوضع العربي راهنا ومستقبلا واتضحت ـ تبعا لذلك ـ التحديات المطلوب مواجهتها عربيا وصوغ الاجوبة السياسية الصحيحة عليها.
يتعلق الامر في هذه الدراسة بالتفكير في طبيعة هذه المخاطر المحدقة بالامن القومي العربي، وتحديد مصادرها الخارجية والداخلية، والعوامل البنيوية التي تهيئ الوضع العربي برمته لاستقبال تاثيراتها من موقع الانفعال بها والتعايش مع معطياتها لا من موقع ردها كتأثيرات أخطار، واحكام اغلاق بوابات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية العربية في وجه اختراقاتها السلبية. كما يتعلق الامر ايضا بالمساهمة الأولية في رسم ما نعتقد انه ملامح سياسية اعتراضية إيجابية، يمكن السير فيها لمعاكسة معطيات تلك التحديات والسباحة ضد تيار اخطارها، كمقدمة نحو تطوير تلك السياسة الاعتراضية وتنميتها وتصييرها سياسة فاعلة متحركة، أي سياسة برنامجية متكاملة تنقل الجسم السياسي والاجتماعي العربي من الدفاع إلى "الهجوم" من رد الفعل إلى الفعل.
ولا شك ان أي مدخل لمقاربة هذه الموضوعات يفترض التحديد النظري للمفهوم الاجرائي في هذه الدراسة: مفهوم الامن القومي. فما المقصود اذن، بالامن القومي العربي الذي نروم التفكير في اوضاعه؟
في مفهوم الامن القومي ؟
يتفق العديد من الباحثين العرب 1 على التاكيد على حداثة الدراسات المهتمة بموضوع الامن القومي ليس على الصعيد العربي2 فقط، بل على الصعيد العالمي ايضا. ومن المؤكد ان قيام الدراسات المهتمة بهذا الموضوع، اتى متوافقا وظرفية عالمية سياسية وعسكرية جديدة أعقبت مباشرة الحرب العالمية الثانية والتوازنات التي خلقتها بين القوى الدولية. وزاد من توفير اسباب هذا الاهتمام بموضوع الامن، ما طرأ من تحولات على الاوضاع الجيواستراتيجية العالمية، والتكتلات والمحاور التي نشات في ظل تلك التحولات، مضروبة في الانتشار الكثيف للاسلحة والتطور النوعي الذي شهدته هذه الاخيرة، والذي عدل النظام الدفاعي العالمي وثوابته التقليدية الموروثة، وفرض رؤية جديدة للامن، وتحديدا جديدا للمجال الامني للدول.
نشأت، تبعا لذلك، مؤسسات اكاديمية مهتمة بمسائل الامن القومي:
مصادره، مقوماته، إجراءات ضمان حمايته، من معاهد ومراكز بحث تنتمي إلى جامعات، إلى مؤسسات علمية واعلامية، إلى مجلات متخصصة، إلى ادارات ومؤسسات مرتبطة بالقرار السياسي الرسمي. ويشكل " مجلس الامن القومي" في الولايات المتحدة الامريكية النموذج الأول والامثل لهذه المؤسسات بل المرجع المعتمد لدى الدول والحكومات على الصعيد العالمي. هذا يعني ان قضية الامن تحولت ـ في امتداد متغيرات نصف القرن الأخير هذا ـ إلى قضية محورية في تفكير الدول وفي توجه سلوكها السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي، بل اصبح الاحتفال النظري والعملي بهذا المعيار الذي تقاس به جدية السياسات وحجية البرامج المتداولة في السلطة.
ومن الطبيعي ان تكتسب مسالة الامن القومي ـ في ظل الأربعينات والخمسينات ـ معاني محددة مطابقة للظرفية السياسية والعسكرية التي انتجتها الحرب العالمية الثانية. كما انه من الطبيعي ان يشهد مفهوم الامن تحولات كبرى تبعا لما سيطرأ من تحولات على التوازنات الدولية الموروثة على الأنظمة الدفاعية القائمة في العالم. وفي سعينا إلى تحديد مفهوم الامن القومي، سيكون علينا ان نعرض لهذا المفهوم من خلال تحولاته، واساسا عبر محطتين فارقتين اكتسب في كل منهما معنى مختلفا :
??) المفهوم العسكري للامن القومي
وهو مفهوم ساد عقب الحرب الثانية حين كانت العلاقات الدولية محكومة بالتوازنات العسكرية، وحين كان خيار الحرب ـ على الصعيد التكتيكي أو الاستراتيجي ـ ما يزال قائما، وهو ما كان يدفع إلى نشوء الاحلاف والكتل العسكرية العالمية والاقليمية* ومركزة السياسة الخارجية على قضايا الامن الدفاعي. ويعني المفهوم العسكري للامن القومي اقامة علاقة الترابط بين الامن والقدرة العسكرية، واعتبار هذه الاخيرة مدخلا لتوفر الامن القومي لدولة ما وضمان مصالحها العامة.
يمثل هذا المفهوم العسكري للامن القومي احسن تمثيل تعريف " دائرة المعارف البريطانية" له : " ان الامن القومي هو حماية الامة من خطر السيطرة بواسطة قوة اجنبية" 3. وبنفس المعنى تعرفه " دائرة معارف العلوم الاجتماعية" بانه : " قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية"4. والتعريفان معا يؤسسان مفهوم الامن على عناصر فرضية هي : القدرة، والاجنبي، السيطرة، الحماية، الدولة. وهكذا تقع الدولة بين فعلين: فعل موضوعي تمثله سيطرة الاجنبي أو تهديده بالسيطرة، وفعل ذاتي هو حماية الدولة / الامة لنفسها بامتلاك القدرة على ذلك ( أي القوة العسكرية) ترتبط ـ فكرة الامن في هذا التحديد ـ بمعنى الردع والدفاع الذاتي العسكري. كما تصبح مصادر الخطر الذي يتهدد امن دولة ما مصادر خارجية عسكرية بصورة أساسية. مما يستتبع القول بان " مسؤولية تحقيق الامن تتولاها الجيوش واجهزة المخابرات التابعة للدولة"5. أي ان هذا التحديد لمفهوم الامن القومي يقود ـ بصورة طبيعية ـ إلى التركيز المفرط على النظام العسكري للدولة، والخلق المستمر للمؤسسات الامنية المختصة بالتجسس وجمع المعلومات ـ المدنية والعسكرية ـ وتصنيفها وتحليلها، وكثيرا ما يكون ثمن ذلك هو التضحية بمؤسسات واختيارات اجتماعية واقتصادية اخرى 6.
ومن دون شك، يظل هذا المفهوم العسكري قاصرا وضحلا وبعيدا عن مطابقة متغيرات العالم المعاصر، خصوصا خلال الثلاثة عقود الأخيرة. وهو على أي حال مفهوم تم تجاوزه بصورة تكاد حاسمة ـ في الدول الغربية على الاقل. والحقيقة انه إذا كان هذا المفهوم قد نشا وانتعش في ظل معطيات التوازن العالمي الحذر الذي اعقب الحرب الثانية، وفي ظل قطبية القوتين العظميين ـ التي لا تزال مستمرة ـ ( وهي القطبية التي كانت وراء بناء نظام عالمي يطيح بالكثير من اسباب الانغلاق الاقليمي ويزج بالنظم الإقليمية الفرعية في علاقة التفاعلات الدولية التي هي المدخل نحو انفتاح البنى القومية والاقليمية على التاثيرات الخارجية مع ما يستتبع ذلك من مشكلات تتصل بامن الدولة أو الدول المعينة)، فان تحوله ( أي المفهوم) لا يمكن بدوره ان يكون محكوما الا بتلك المعطيات وبهذه القطبية. ولكن لا على الصعيد الامني ـ الدفاعي فقط، بل وايضا ـ واساسا ـ على الصعيد الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والثقافي والاجتماعي، ومعطيات القوة أو التوازن المتحققة في كنفه. وهذا يقودنا فورا الى الحديث عن المفهوم الاخر الجديد للامن القومي: المفهوم الاجتماعي.
??) المفهوم الاجتماعي للامن القومي :
تستند معظم التعريفات النظرية للامن القومي ـ التي تنحو منحى الاخذ بالمفهوم الاجتماعي ـ إلى تحديد روبرت ماكنمارا ( وزير الدفاع الامريكي ورئيس) البنك الدولي الاسبق) له ( = الامن القومي) في كتابه الشهير: " جوهر الامن" 7. يقول ماكنمارا : " والامن ليس هو المعدات العسكرية وان كان قد يتضمنها، والامن ليس هو القوة العسكرية وان كان قد يتضمنها، والامن ليس النشاط العسكري وان كان قد يشمله. ان الامن هو التنمية، وبدون التنمية لا يمكن ان يوجد امن والدول النامية التي لا تنمو في الواقع، لا يمكن ببساطة ان تظل امنة" 8.
يقيم تحديد مكنمارا علاقة تطابق تام بين الامن والتنمية : لا مجال لتحقيق الامن الا بتحقيق التنمية. اما القدرة العسكرية وتطوير النظام الدفاعي. ولو انها قد تشكل رافدا من روافد الامن، فهي ليست " جوهر الامن" ولا يمكن ان تعوض التنمية. وعليه، فالمجتمعات تفقد امنها كلما عجزت عن تحقيق التنمية، وذلك لان " التنمية..هي مفتاح الامن القومي"9. هكذا يضيف ماكنمارا ـ في تعريفه ـ عنصرا جديدا ( أو بعدا جديدا) للامن القومي، هو البعد الداخلي المتصل بالمسالة الاجتماعية والاقتصادية، متجاوزا بذلك محض التركيز على البعد الخارجي المتصل بعلاقة الدولة بالمحيط الاقليمي أو العالمي.
وينسج العديد من الباحثين العرب على منوال هذا التحديد الاجتماعي للامن القومي، فعلي الدين هلال مثلا ـ وهو واحد من اهم الباحثين العرب الذين كرسوا اهتماما اكاديميا خاصا للموضوع ـ يعرفه بانه "… تامين كيان الدولة أو عدد من الدولة من الاخطار التي تهددها في الداخل ومن الخارج وتأمين مصالحها القومية وخلق الاوضاع الملائمة لتحقيق اهدافها وغاياتها القومية " 10. وغني عن البيان ان هذه الاخطار الداخلية التي يتحدث عنها النص هي من قبيل الازمة الاقتصادية والغذائية، وحالة عدم الاستقرار السياسي التي قد تحف بالمجتمع. اما الاخطار الخارجية فهي ـ بالضرورة ـ من طبيعة عسكرية. وهذا يعني ان ثمة تداخلا معقدا بين العامل الداخلي والعامل الخارجي في تكوين حالة الامن القومي. والحقيقة هي ان الامر كذلك: فالدولة لا تستطيع ان تتفرغ كلية إلى حماية حدودها الخارجية من الاختراق العسكري، دون ان تحقق قدرا من التماسك والتراضي السياسيين داخل المجتمع، ودون ان تنجز الحد الادنى من حاجات التنمية الانتاجية، لان هذه الحاجات الداخلية هي التي تقرر في وجهة المعركة التي تخوضها الدولة على الجبهة الخارجية، في دعمها واكسابها الشرعية أو عكس ذلك، فضلا عن ان الاختراق لم يعد عسكريا بالضرورة، اذ هو قد يكون سياسيا واعلاميا وثقافيا، مما يؤثر بداهة في الوضع الداخلي إلى هذا الحد أو ذاك. كما لا تستطيع الدولة الانكباب كلية على اهداف التنمية الداخلية في ظل استقالة تامة من اعباء الحماية الامنية ( ذات الطابع العسكري) من الاخطار الخارجية: اذ قد يكون من اهداف القوى الأجنبية اسقاط مشاريع التنمية السياسية والاقتصادية تلك. والمثال الإسرائيلي دال على ذلك.
أمن قومي عربي ام أمن وطني فرعي ؟
يفترض الامن القومي بالضرورة كيانا قوميا واحدا وموحدا، أو كيانا سياسيا ممثلا في دولة قومية تملك سيادة وسياسة موحدة داخليا وخارجيا، وصعوبة الحديث عن امن قومي عربي ـ وهي ما اثاره العديد من الدارسين العرب11، تكمن في غياب هذا العنصر الاساسي والضروري من عناصر ومقومات الامن القومي. فالعالم العربي ليس كيانا سياسيا واحدا بل هو يزيد على العشرين كيانا ( واخطار التذرر والتجزئة الكيانية فيه لا تزال قائمة). وسياسات الدول العربية ليست موحدة، واختياراتها ليست متشابهة ـ على الرغم من انها تشترك في الانتماء إلى اطار نظامي اقليمي واحد ( الجامعة العربية) يفترض فيه ان يحقق وحده رؤيتها ( إذا كان غير قادر على تحقيق وحدتها السياسية) بل على الرغم من انها تشترك في الانتماء إلى فضاء ثقافي ولغوي وتاريخي مشترك، وتتخذ من العروبة والوحدة العربية واحدة من شعاراتها، بل واحدة من المبادئ التي تشتق منها شرعيتها. وتزيد المشكلة حدة حين نجد بان الدول العربية ليست مختلفة في اختياراتها السياسية فقط، بل في مفهومها للامن وسبل تحقيقه. ان امنها مطابق لها: فمن حيث هي كيانات وطنية( قطرية) فهي غالبا لا تنظر إلى الامن الا من هذه الزاوية : من زاوية سيادتها وحدودها. وربما دفعها ذلك إلى خيارات امنية اقليمية ودولية مختلفة، والى الانخراط في محاور وتكتلات واحلاف خارجية متباينة ومتناقضة. واذا كانت اسباب هذا الانخراط ذاتية ـ في جانب كبير منها ـ وذات علاقة بطبيعة السياسات التي اختارت نهج النخب الحاكمة، فانها لا تعدم ـ بالمقابل ـ اسبابا موضوعية، ليس اقلها الطبيعة الجغرافية للوطن العربي وتوزعه بين قارتين وتأثره امنيا بالمحاور العاملة في هذا الجوار.
والمشكلة بصورة مركزة هي كيف الحديث عن امن قومي في كل دولة تطبق الامن الخاص بحدودها الجغرافية و " السيادة "؟ وقد يثور هنا سؤال مشروع له وجاهته، وهو هل من الواجب ـ في حالة العالم العربي ـ الاستعاضة عن مفهوم الامن القومي ( الذي يخص الدولة القومية) بمفهوم الامن الاقليمي الذي يخص جماعة تشترك في الانتماء إلى رابطة سياسية اقليمية ( هي الجامعة العربية في حالتنا )؟. يميل بعض الباحثين إلى الاخذ بهذا المفهوم بل يميل بعضهم إلى النظر إلى هذا الامن الاقليمي من زاوية احتوائه ـ هو ايضا ـ على مكونات فرعية امن اقليمي فرعي : كامن دول الخليج العربية، أو دول المغرب العربي… الخ). تتفرع هي بدورها إلى مكونات قاعدية ( امن وطني خاص بكل دولة) 12 وعلى واقعية هذه الاطروحة يظل السؤال الاهم هو هل يمكن لهذا الامن الوطني أو حتى الاقليمي ان يتحقق في شروط النظام الدولي الراهن ؟ اليس مفهوم الامن القومي، والطموح إلى تحقيق الامن القومي هو الرهان النظري والعملي الذي ينبغي ان ينصب عليه التفكير والممارسة معا؟
تقدر معظم الدراسات التي تناولت الموضوع ان ليس بالامكان تحقيق امن وطني في الشروط الراهنة للنظام الدولي، حيث عصر الكيانات القومية والتكتلات الإقليمية الضخمة، وحيث التطور المستمر لأدوات السيطرة، العسكرية منها والاعلامية والثقافية والاقتصادية والقيمية التي باتت معها الكيانات العربية اضعف واعجز عن المقاومة منفردة. وقد يقال ـ ردا على هذا الوصف لطبيعة النظام الدولي المبني على قانون سيطرة القوى الدولية الكبرى ـ ان تحقيق الامن الوطني لكل دولة عربية منفردة هو تحقيق آلي موضوعي للامن القومي العربي : والحقيقة ليست كذلك، فالامن القومي العربي : " ليس مجرد حاصل جمع الامن الوطني للبلاد العربية المختلفة، بل انه مفهوم يأخذ في اعتباره الاخطار والتهديدات الموجهة إلى هذه البلاد ويتخطاها