أولا: الركن المفترض.
ثانيا: الركن المادي.
ثالثا: الركن المعنوي.
أولا: الركن المفترض:
يتمثل هذا الركن في رابطة زوجية صحيحة يجب أن تتصف الزانية بأنها زوجة و كذلك الزاني لأن انعدام الرابطة الزوجية، و عدم وجود عقد زواج شرعي واقع وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية يجعل الفعل غير مكتمل شروط المعاقبة، و يسلبه صفة جريمة الزنا و ذلك كأن تكون الرابطة الزوجية قائمة على زواج باطل أو مخالف للقانون أو للشريعة.
و على ذلك فالخطيبة ليست بزوجة لعدم انعقاد الزوجية بعد، فإذا خانت خطيبها فلا يشكل الركن المادي في جريمة الزنا، كما لا يشترط الدخول و الخلوة الشرعية، فعقد القرآن ذاته يكفي لقيام الجريمة إذا تم وفقا لقانون الأسرة طبقا لنص المواد 9-22 من قانون الأسرة.
و يجب أن تكون رابطة الزوجية قائمة حال ارتكاب جريمة الزنا و قيام هذه الرابطة حقيقة فعلية، يعني أن الزوجة مازالت على ذمة الزوج و لم يحدث طلاق بينهما أما قيامها حكما فيعني أنه طرأ عليها طلاق و لكنه طلاق رجعي لا يرفع الحل و لا يزيل ملك الزوج طالما أن العدة قائمة فإذا زنت في فترة العدة قامت في حقها جريمة الزنا أما إذا انقضت العدة فان الطلاق يصبح بائنا و عندئذ لا تقوم الجريمة. و الطلاق البائن إما أن يكون بائنا بينونة صغرى أو بينونة كبرى، و الطلاق الأول و إن كان يزيل ملك الزوج إلا أنه لا يزيل الحل بحيث تصبح المطلقة مرتكبة لجريمة الزنا إذا حدث الوطئ هي مطلقة طلاقا بائنا بينونة صغرى، أما البائن بينونة كبرى فإنه يزيل الحل و الملك معا، و في الحال تنقضي علاقة الزوجية نهائيا و تنقضي صفة الزوجية فإذا زنت هذه الزوجة في هذه الحالة فلا يستطيع تحريك الدعوى ضدها و لو وقع منها الوطئ خلال فترة العدة
- و إذا دفع المتهم أو شريكه أنه مطلق أو أنه لم يكن متزوجا أصلا أو أن زواجه باطل أو فاسد جاز للمحكمة أن توقف الدعوى الجزائية إلى غاية الفصل في الدعوى أمام قاضي الأحوال الشخصية.
- و نفس الشيء في حالة ما إذا دفعت المتهمة بوفاة الزوج و انقضاء عدة الوفاة فعليها تقديم ما يثبت ذلك و على الجهة القضائية أنه توقف الفصل في الدعوى الجزائية طبقا لنص المادة 330 من قانون الإجراءات الجزائية
و تثير مسألة إثبات الزواج إشكالات عديدة لعدم انسجام التشريع الجزائري في هذا المجال و هذا ما نصت عليه المادة 22 من قانون الأسرة، على أن الزواج يثبت بشهادة مستخرجة من سجلات الزواج لبلدية مكان الزواج، و أضافت نفس المادة في فقرة ثانية أن الزواج يكون صحيحا إذا توفرت فيه الشروط الشرعية للزواج و يمكن تثبيته بحكم قضائي، و لقد طرحت المسألة على المحكمة العليا فلم تتخذ موقفا ثابتا و لكن الاتجاه الغالب هو أن يتم الإثبات بتقديم شهادة الزواج و تبعا لذلك قضت المحكمة العليا.
- بقيام جريمة الزنا في حق الزوجة التي تزوجت برجل آخر بالفاتحة دون أن تنتظر الفصل في القضية القائمة بينها و بين زوجها الأول و كذا الزوجة التي أبرمت عقد زواج مع رجل آخر قبل أن يصبح حكم الطلاق بينها و بين زوجه الأول نهائيا.
ثانيا: الركن المادي: (الوطئ غير المشروع)
- اختلف الفقهاء فيما يخص تحديد المقصود بالوطء هل هو إيلاج عضو التذكير في المكان الطبيعي للمرأة فقط أم يمتد إلى اللواط أو حتى الالتصاق دون إيلاج.
- فذهب رأي إلى أن الوطء هو التحام الذكر مع الأنثى في المكان الطبيعي من المرأة ، و في هذه الناحية تشترك جريمة الزنا مع جريمة الاغتصاب، فالشرط في جريمة الزنا وجود الشريك يجامع الزوجة جماعا غير شرعي و مع ذلك فلا يعتبر زنا مجرد الخلوة بين الرجل و المرأة المتزوجة إذا لم تتبع هذه الخلوة بوطء كما لا تعد من قبل الزنا الأفعال المخلة بالحياء التي تأتها المرأة على نفسها أو الصلاقة غير الطبيعية التي تأتها مع امرأة أخرى كما لا يعد وطئا الفتاة البكر المتزوجة التي تمتنع على زوجها و تجتمع مع صديق لها في خلوة ليقوم بفض بكرتها لو حدث ذلك بغير عضوه التناسلي و يعتبر الوطئ شرط أساسي لحدوث الزنا و لا يتصور في هذه الجريمة حالة الشروع.
و لا تقوم الجريمة لما دون ذلك من أعمال الفاحشة الأخرى التي يرتكبها أحد الزوجين مع غيره مثل القبلات و الملامسات الجنسية و إتيان المرأة من الدبر.
ذلك أن الشروع في جريمة الزنا يتوافر فيه الركن المعنوي و يتخلف فيه الركن المادي بصفة كلية أو جزئية، فلا يعقل إذا أن يتم الشروع في جريمة الزنا من أحد الزوجين، لأن الفعل الآثم يشترط فيه توفر الركن المادي كليا، و المعنوي معا و لكي يمكن أثبات جريمة الزنا للزوج المتهم لابد أن يثبت أن هذا الرجل المتزوج قد باشر فعلا جنسيا مع امرأة مباشرة طبيعية تامة، و أنها امرأة لا تحل له و لا هي زوجته. و إلى هذا المعنى أشارت الفقرة الثالثة من المادة 339 من ق ع و ذلك بغض النظر عن كون المرأة التي نفذ معها رغبته متزوجة أم لا، و نفس الشيء ينطبق على المرأة التي تمارس فعل الوطء مع الغير بعكس الشريك الذي يشترط فيه العلم بالعلاقة الزوجية بين من تمارس معه الفعل.
ثالثا : الركن المعنوي.
لا يكفي لقيام ارتكاب الجريمة ارتكاب عمل مادي ينص و يعاقب عليه قانون جزائي ، بل لابد أن يصدر هذا العمل المادي عن إرادة الجاني و تشكل هذه العلاقة التي تربط العمل المادي بالفاعل ما يسمى بالركن المعنوي، فلا تقوم الجريمة بدون توافر الركنين المادي و المعنوي علاوة على الركن الشرعي و يتمثل الركن المعنوي في نية داخلية يضمرها الجاني في نفسه .
إذا فجريمة الزنا تتطلب توافر القصد الجنائي لدى الفاعل الأصلي متى ارتكب الفعل عن إرادة و علم بأنه متزوج و أنه يوصل بشخص غير زوجته و لا تقوم جريمة الزنا بانعدام القصد الجنائي إذا ثبت أن الوطء قد حصل بدون رضا الزوج كما لو تم بالعنف أو التهديد أو نتيجة للخديعة أو المباغتة.
حيث أنه لا عقاب على زوجة إذا زنت و هي في حالة الجنون، أو في حالة الإكراه كالتهديد، و الإسكار و التخذير و التنويم المغناطيسي أو في حالة الغلط المادي. كما لو تسلل رجل إلى فراش امرأة أثناء نومها، اتخذ حيالها المركز الذي كان يشغله زوجها فضنت أنه هو و سلمت نفسها إليه، أو في حالة الغلط القانوني إذا ارتكبت الزنا و هي تعتقد أنها حرة من الوثاق الزوجي كما لو اعتقدت أنها مطلقة أو أن زوجها الغائب قد مات أما بالنسبة للشريك فيشترط فيه العلم بأن خليله أو خليلته متزوجا أو متزوجة فإن كان يجهل الرابطة الزوجية وقت إتيان الفعل فإن القصد الجنائي يكون منتفيا و من ثم يتبين لنا أن جريمة الزنا تشترط فقط توفر قصد جنائي عام حيث أنه من خلال قرار المحكمة العليا رأت في قضية خاصة بالزنا بين الزوجين أن قضاة الاستئناف اكتفوا بإثبات الفعل المنسوب للمتهمين دون إمعان في جوانب الدعوى و أسبابها إذ لم يتطرقوا إلى البحث في أقوال المتهمة التي أدلت في التحقيق الابتدائي أنها خرجت من عند زوجها الشاكي منذ خمس سنين و امتنع عن ردها، و انه ذكر لها أنه لا يطلقها و لا يردها كما أنه لا يسجل الزواج في الحالة المدنية حتى لا ترثه.
حيث أن هذه الوقائع إذا ثبتت تدل على انعدام نية الزوج في مواصلة الزواج و أن أثار الاقتران اضمحلت أو كادت بإرادة الزوج و هي من الحقوق الشرعية التي يجب للزوجين بمقتضى الزواج قيد حياتهما أو بعد مماتهما .
المطلب الثاني: المتابعة و الجزاء.
- علق القانون مرتكبي جريمة الزنا على شكوى الزوج المضرور طبقا لنص المادة 339 الفقرة الثالثة من قانون العقوبات ، في حين أنه نص على الجزاء المقرر لهذه الجريمة في الفقرة الثانية من نقس المادة، و أعقب على إثباتها في المادة 341 ق.ع.
و عليه سندرس ذلك في فرعين:
أولا المتابعة
ثانيا الجزاء.
أولا المتابعة:
قيد القانون تحريك الدعوى العمومية في جريمة الزنا بناءا على شكوى المجني عليه استثناءا من الأصل العام و هو حرية النيابة في تحريك الدعوى العمومية و بما أن جريمة الزنا ذات طبيعة خاصة و لها تأثير كبير على نظام الأسرة فقرر المشرع الجزائري عملا بالمشرع الفرنسي طرقا و وسائل معينة لإثباتها و بهذا سنوضح الشكوى المقرر لجريمة الزنا، و طرق إثباتها في نقطتين:
I- الشكوى :
يقصد بالشكوى البلاغ أو الإخطار الذي يقدمه المجني عليه إلى السلطات المختصة طالبا تحريك الدعوى العمومية بشأن جرائم معينة حصر ا لمشرع تحريكها على تقديم الشكوى .
و بعد أن نظمت المادة 339 من قانون العقوبات جريمة الزنا و المشاركة فيها أشارت في فقرتها الرابعة إلى أن إجراءات المتابعة لا تتخذ إلا بناءا على شكوى الزوج المضرور.
- و نستنتج أنه لا يجوز لممثل النيابة العامة أن يقوم بأي إجراء من إجراءات تحريك دعوى الزنا من تلقاء نفسه بل إن تحريك الدعوى يتوقف على شكوى مسبقة من طرف الزوج الآخر الذي مسه عار هذه الجريمة. و يرجع هذا القيد لما لهذه الجريمة من اتصال مباشر لمصلحة الأسرة و شرفها، أكثر مما له من اتصال بمصلحة المجتمع و لا يجوز تقديمها من أي شخص آخر غير الزوج المتضرر فإن كان مجنونا أو معتوها وقت أو بعد ارتكاب الجريمة فإنه لا مانع من تقديم ممثله القانوني الشكوى نيابة عنه، و لكن إذا كان القانون لم يحدد لا صراحة و لا ضمنا أجلا معينا للزوج الشاكي لكي يستعمل حقه في تقديم شكواه و لم يقيده بأي شرط.
- و يرى الأستاذ سعد عبد العزيز أن للمطلق دائما حق تقديم الشكوى ضد مطلقته و طلب محاكمتها عن اقترافها لجريمة الزنا ما دامت هذه الجريمة لم تنقضي بعد بسبب من أسباب الانقضاء المنصوص عليها في المادة 06 من قانون الإجراءات الجزائية و ما دامت لم تسقط بالتقادم طبقا للمادة 07 من نفس القانون و سنده في ذلك أمران أولهما أن القانون اكتفى بتوفر الرابطة الزوجية و لم يشترط توفرها لصحة تقديم الشكوى، و ثانيهما أن الطلاق لا يمحو الجريمة و يجب الإشارة أيضا أنه في حالة عدم مراعاة الشرط من قبل النيابة العامة و اتخذت إجراءات التحقيق أو أحالت الدعوى على المحكمة فإن هذه الأخيرة لا تستطيع أن تنظر في الدعوى أو تفصل فيها، بل يتعين عليها أن تقضي بعدم قبولها من تلقاء نفسها أو بناءا على طلب المتهم أو شريكه و يجب أن يتضمن الحكم الإشارة إلى أن الدعوى قد رفعت تبعا لشكوى الزوج المتضرر أو أنها لم ترفع تبعا لذلك و إلا كان حكمها معيبا واجبا إلغائه و نقضه.
أما إذا كان الشاكي قد وافته المنية بعد تقديم الشكوى ضد الزوج الآخر فإن الوفاة لا يترتب عليها سقوط حق النيابة العامة في متابعة الإجراءات اللازمة لإقامة الدعوى .
و إضافة إلى ما سبق فإن التنازل عن الشكوى يعد حقا من حقوق الشاكي يستعمله إذا شاء و قبل النطق بالحكم و بالتالي يضع حدا للمتابعة ضد زوجه، و يستفيد الشريك كذلك من سحب الشكوى و تنقضي الدعوى العمومية طبقا لنص المادة من 06 من قانون الإجراءات الجزائية .
II- إثبات جريمة الزنا:
نصت المادة 341 من قانون العقوبات على ما يلي:
" الدليل الذي يقبل عن ارتكاب الجريمة المعاقب عليها بالمادة 339 يقوم إما على محضر قضائي يحرره أحد رجال الضبط القضائي عن حالة تلبس، و إما عن طريق وارد في رسائل أو مستندات صادرة من المتهم و إما بإقرار قضائي " .
نستقرأ من القانون أنه حدد على سبيل الحصر الأدلة التي تثب بها جريمة الزنا و هي:
1- محضر قضائي يحرره أحد رجال الضبط القضائي عن حالة التلبس.
2- عن طريق إقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم أي اعترافا منه بأنه قام فعلا بارتكاب جريمة الزنا تضمنته رسالة أو مستند.
3- إقرار قضائي أي اعتراف المتهم أمام القضاء بأنه قام فعلا بارتكاب جريمة الزنا.
و إذا لم تتوفر أحد هذه الأدلة الثلاث للقاضي فإنه ملزم قانونا بالحكم بالبراءة بغض النظر عن اقتنائه الشخصي بأدلة أخرى .
و لقد دأبت المحكمة العليا في اجتهادها على أنه : " لما كان ثابتا في قضية الحال أن القرار المطعون فيه لا يحتوي على ما يفيد تقديم أحد طرق الإثبات الثلاث المنصوص عليها في القانون إثباتا لتهمة الزنا، و من ثمة فإن قضاة الموضوع بإدانتهم للطاعنين بارتكابهم جريمة الزنا خالفوا القانون"
و جاء في حكم صادر عن محكمة بومرداس : " أن تهمة الزنا ثابتة في حق المتهمة بدليل اعترافها على ممارسة العلاقة الجنسية مع المتهم" .
- و جاء عن المحكمة العليا في اجتهاد آخر لها بإدلائها بأن :" الإقرار القضائي في جريمة الزنا شخصي يلزم المقر وحده دون غيره و إن القضاء بإدانته المتهم بناءا على إقرار الزوجة الزانية وحدها و في غياب إقرار المتهم يعد قصورا في التعليل و سوء في تطبيق القانون يعرضه للنقص .
ثانيا الجزاء:
- تعاقب المادة 339 من قانون العقوبات على الزنا بالحبس من سنة إلى سنتين دون تمييز بين الزوج و الزوجة ، و تطبق نفس العقوبة على الشريك و لا عقاب على الشروع في ذلك.
و تجدر الملاحظة أن المشرع نص على عذر الاستفزاز في جريمة الزنا فنص في المادة 279 من قانون العقوبات : " يستفيد مرتكب القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة التلبس بالزنا ".
يتبين من هذا النص وجوب توفر أركان ثلاث لعذر الاستفزاز و هي:
* صفة الجاني و هو أن يكون الجاني أحد الزوجين و أن يكون الضحية هو الزوج الآخر أو شريكه و هذا العذر مقرر للزوج المغدور دون غيره.
* مفاجأة الزوج متلبسا في الزنا
* القتل و الجرح و الضرب في اللحظة ذاتها
فبتوفر أركان عذر الاستفزاز فإن العقوبة تخفض طبقا لنص المادة 283 من قانون العقوبات .
1- الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام.
2- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بأي جناية أخرى.
3- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة.
هذا مع جواز الحكم على الجاني بالمنع من الإقامة من 05 سنوات على الأقل إلى 10 سنوات على الأكثر في الحالتين المنصوص عليهما في الفقرتين 01 و 02 .
- بعد إتمامنا للمبحث الأول فيما يخص جريمة الزنا سوف نتطرق في المبحث الثاني لجريمة الفاحشة بين ذوي المحارم.
المبحث الثاني: جريمة الفاحشة بين ذوي المحارم.
- وطء المحرمات من الإناث جريمة يعاقب عليها في غالبية القوانين الوضعية و التشريعات السماوية و مبادئ الأخلاق لأن في ارتكابها عدوان على المجتمع بأسره و تحطيم لقيمه، فالأسرة نواة المجتمع و رابطة القرابة و النسب و الدم ، هي أساس تكوين الصلاة و العلاقات الاجتماعية و جريمة و وطء المحرمات من الإناث كالأخت و الأم و البنت جرائم فاحشة تعتدي على الأعراض و الأنساب و لذا وضعت النصوص القانونية و الأحكام التي تنظم العلاقات داخل المجتمع و سوف نقوم بدراسة هذه الجريمة في مطلبين:
المطلب الأول: أركان الجريمة
المطلب الثاني: المتابعة و الجزاء
المطلب الأول: أركان الجريمة.
- عرف الأستاذ سعد عبد العزيز جريمة الفحش : " بأنها كل فعل من أفعال الاتصال الجنسي المباشر التي تقع بين شخص ذكرا كان أو أنثى و بين أحد محارمه شرعا من أقاربه أو أصهاره أو غيرهم برضائهم المتبادل ، و قد ورد النص على تجريم هذه الأفعال في المادة 337 مكرر من قانون العقوبات التي نصت : " تعتبر من الفواحش العلاقات الجنسية التي تقع:
1- بين الأصول و الفروع
2- الإخوة و الأخوات الأشقاء من الأب أو الأم
3- بين شخص و ابن أحد إخوته أو أخواته من الأب أو الأم أو مع احد فروعه
4- الأم أو الأب و الزوج أو الزوجة و الأرمل أو الأرملة ابنه أو مع أحد آخر من فروعه
5- والد الزوج أو الزوجة أو زوج أو زوجة الأب و فروع الزوج الآخر
6- من أشخاص يكون أحدهم زوجا للأخ أو الأخت .
- يتبين أن هذه الجريمة تحتوي على ثلاثة أركان نتخذها بالدراسة في ثلاثة فروع:
أولا: الركن المادي
ثانيا: علاقة القربة أو المصاهرة ذات الطبيعة المحرمية
ثالثا : القصد
أولا: الركن المادي – الفعل المادي الفاحش –
- يتوفر الفعل المادي لقيام جريمة الفحش بين ذوي المحارم بوقوع علاقة جنسية طبيعية تامة بين رجل و امرأة استنادا إلى رضائهما الصريح المتبادل دون استعمال عنف أو غش أو تهديد أو إكراه مادي أو معنوي من أحد الطرفين ضد الآخر. أما إذا صاحب الفعل تهديدا أو إكراها فإن الوصف الجرمي يصبح اغتصابا لا فحشا و نطبق أركان المادة 336 فقرة 01 بدل المادة 337 مكرر .
و نفترض أيضا في جريمة الفحشاء مساس مباشر بجسم المجني عليه و يخرج من نطاقها الأفعال التي يرتكبها الجاني على جسمه أمام نظر المجني عليه مهما كانت درجة فحشاه و مهما بلغ تأثيره عليه .
إلى جانب أنه لا يشترط لوجود الركن المادي الوطء الطبيعي الذي سيحصل بإيلاج عضو التذكير في فرج الأنثى، و إنما يشمل كل إيلاج جنسي بالإيلاج بالدبر و حتى بالفم و لا يهم إن كان الجاني ذكرا أو أنثى و من ثم تشمل العلاقة الجنسية اللواط و المساحقة و يشترط الرضا بين الطرفين بطبيعة الحال.
ثانيا: علاقة القرابة أو المصاهرة.
- يشترط القانون لقيام جريمة الفاحشة بين ذوي المحارم وجود صلة قرابة أو نسب أو مصاهرة بين مرتكبي جريمة الفحش أو وجود أحد أو بعض أسباب التحريم المنصوص عليها في المواد من 24 إلى 30 من قانون الأسرة .
- و يثار التساؤل بشأن الرضاع: فهل تطبيق قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قياسا على الزواج فيكون الجواب بنعم مع حصر التحريم في الطفل الرضيع وحده دون إخوته و أخواته طبقا لنص المادة 28 من قانون الأسرة التي نصت على: " يعد الطفل الرضيع وحده دون إخوته و أخواته وليد للمرضعة و زوجها و أخا لجميع أولادها و يسري التحريم عليه و على فرعه " .
ثالثا: القصد الجنائي.
- بالإضافة إلى الركنين السابقين يشترط القانون القصد الجنائي لقيام هذه الجريمة و المراد بالقصد هنا هو القصد العام الذي يتوفر بمجرد علم كلا المتهمين بأن الشخص الآخر الذي يقوم بممارسة أو تنفيذ الفعل الجنس معه من ذوي محارمه أما إذا كان الفاعلان لا يعلمان أو ليس في استطاعة أحدهما أو كلاهما، العلم بصفة الحرمة أو بسبب التحريم انتفى القصد الجنائي و لم تعد الجريمة قائمة.
أما إذا كان أحدهما لا يعلم و الآخر يعلم فإن العقاب يسلط فقط على من كان يعلم .
- و ينبغي التنويه أيضا إلى أن الأنثى التي ترضى و تسمح بارتكاب الفاحشة معها من احد أصولها أو فروعها، مع علمها بالقرابة و تكون فوق سن السادسة عشر مرتكبة لجريمة وطئ المحرمات كفاعل أصلي لأن الرضا الصادر من هذه الأنثى لا يعتبر سببا مبررا أو مبيحا لهذه الجريمة أو ينفي المسؤولية عن الجاني أو المجني عليها نفسها .
و من خلاصة القول يتضح أن الركن المعنوي لابد فيه من توافر العلم و الإرادة مهما كان الباعث الذي دفع الجاني على ارتكاب جريمة الفحش بين ذوي المحارم فقد يكون هذا الباعث إشباعا للشهوة البيولوجية أو غير ذلك.
و بإتمامنا للمطلب الأول نعمل على شرح المطلب الثاني تحت عنوان المتابعة و الجزاء.
المطلب الثاني: المتابعة و الجزء.
نتطرق إليه بالشرح و التحليل:
الفرع الأول المتابعة.
الفرع الثاني الجزاء.
الفرع الأول: المتابعة.
1- خضوعها في المتابعة إلى القواعد العامة.
- تخضع هذه الجريمة في المتابعة إلى القواعد العامة في تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية، و مباشرتها باسم المجتمع، بخلاف جريمة الزنا بين الزوجين التي نص فيها المشرع على تحريكها من قبل الطرف المضرور استثناءا من الأصل العام ، ذلك أن جريمة الفحش بين ذوي المحارم جريمة يهتز لها عرش الرحمن تمس بكيان المجتمع، و تزعزع نظامه أكثر مما تمس بالفرد، فأحسن المشرع الجزائري عندما أخضعها لسلطة النيابة العامة في ملائمة المتابعة إذ عليها أن تثبت هذه الجريمة بجميع وسائل و طرق الإثبات.
2- إثبات جريمة الفحش بين ذوي المحارم.
- تثبت هذه الجريمة بشهادة الشهود أو بالأدلة الشفوية ، بخلاف جريمة الزنا التي قيد المشرع إثباتها بوسائل محددة على سبيل الحصر في المادة 341 من قانون العقوبات.
ثانيا : الجزاء.
- إذا رجعنا بتمعن و حرص إلى نص المادة 337 مكرر من قانون العقوبات فإننا نجد أنها تضمنت ثلاث أنواع من العقوبات:
النوع الأول : العقوبة الجنائية لفعل ذي وصف جنائي عقوبته من 10 إلى 20 سنة سجنا و هي جناية فعل الفحش بين الأصول و الفروع و بين الإخوة و الأخوات.
النوع الثاني: العقوبة الجنائية لجريمة ذات وصف جنحي بين 05 إلى 10 سنوات حبس و هي جنحة فعل الفحش بين الأشخاص، وهم:
• شخص و ابن أحد إخوته أو أخواته أو أحد فروعه.
• بين الأم أو الأب و زوجة أو زوج و أرمل أو أرملة الابن أو أحد فروعه.
• ولد الزوج أو الزوجة أو زوج الأم أو زوجة الأب و أحد فروع الزوج الآخر.
النوع الثالث : العقوبة الجنحية لجريمة ذات وصف جنحي عقوبتها بين سنتين و خمس سنوات حبس وهي جنحة فعل الفحش المقترف بين أشخاص يكون أحدهم زوجا لأخ أو أخت الآخر.
- وفي جميع الأحوال إذا ارتكبت الفاحشة من شخص راشد على شخص قاصر، يبلغ من العمر 18 عاما فإن العقوبة المفروضة على الراشد تفوق وجوبا العقوبة المفروضة على الشخص القاصر، كما أن هذه الجريمة تكون قائمة حتى و لو كان أحد طرفيها من لم يبلغ سن الرشد الجزائي، لأن المادة 337 لم تشر إلى سن معينة و لم تنص على السن إطلاقا خلافا لجريمتي هتك العرض و الفعل المخل بالحياء الذي يفرق فيه المشرع بين الضحية القاصر و الراشد و هو أحد ما تبنته المحكمة العليا في أحد قراراتها .
و يتضمن الحكم المقضي به ضد الأب أو الأم فقدان حق الأبوة أو الوصاية الشرعية طبقا للمادة 337 مكرر الفقرة الأخيرة.
و يجب على القاضي أن يقرره من تلقاء نفسه أو بناءا على طلب النيابة أو بطلب من يتولى أمر القاصر .
من أهم الحقوق التي تضمنتها قواعد الشريعة الإسلامية والقوانين الجزئية الوضعية حق الطفل في أن يتولى كفالته أبواه طوال مدة صغره وحاجته إليهما، وأن يسهرا منفردين أو مجتمعين على رعايته وتعليمه، وعلى حمايته من كل ما يضره أو يلحق به الأذى ولاسيما الأذى الذي يكون مصدره الأبوان أنفسهما مثل الترك و التسيب والضرب والتعذيب والقتل.
وفي هذا الإطار جاء قانون العقوبات ووضع قواعد عقابية من شأنها حماية الولد الصغير من كل عنف وجور أو اعتداء سواء على خلقه أو على جسمه، ومن شأنها أيضا أن تجازي أحد الوالدين الذي يتعمد الاعتداء على حقوق أولاده بالجزاء المناسب لذا فإننا سنتطرق في هذا الفصل إلى خمس جرائم نص عليها قانون العقوبات الجزائري، حيث سنتناول في المبحث الأول جريمة الإجهاض، وفي المبحث الثاني جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة، وفي المبحث الثالث جريمة ترك الأطفال وتعريضهم للخطر، وفي المبحث الرابع جريمة عدم تسليم طفل ونتناول أخيرا في المبحث الخامس جريمة خطف أو إبعاد قاصر
المبحث الأول: جريمة الإجهاض
إن المرأة الحامل هي المرأة التي لها جنين مستقر في الرحم ولم يخرج إلى الحياة وهذا الجنين يحميه القانون، كما تحمى الأم والمجتمع.
–حماية الجنين: لأنه يصبح طفلا في المستقبل وهذا الأخير يكون دعامة للمجتمع وهذا الكائن له الحق في الحياة وهو حق طبيعي.
-حماية الأم: إن الاعتداء على الجنين يكون اعتداء على جسم المرأة وهو الاعتداء على الحياة الطبيعية للمرأة يمنعه المشرع، ويمنع حتى على المرأة إجهاض نفسها.
حماية المجتمع: إن تعرضت المرأة والجنين إلى الاعتداء يتسبب في الإضرار بها فإن ذلك يؤدي إلى عرقلة المجتمع الذي يحتاج إلى أفراد أصحاء
إذ تقضي المادة ة304 من قانون العقوبات على أنه " كل من أجهض إمرأة حاملا أو مفترض حملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى 05 سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000دج
وإذا أفضى الإجهاض إلى الموت تكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
وفي جميع الحالات يجوز الحكم علاوة على ذلك بالمنع من الإقامة"
تعريف الإجهاض:
لم يعرف المشرع الإجهاض إلا أن بعض الفقه عرفه بأنه إخراج الجنين عمدا من الرحم قبل موعده الطبيعي أو قتله عمدا في الرحم، ويزيد البعض هذا التعريف إيضاحا بأن يتم الإجهاض باستعمال وسيلة صناعية.
نستخلص مما تقدم بأن الإجهاض هذا هو إنهاء حالة الحمل قبل الأوان عمدا أو القضاء على الجنين داخل رحم المرأة وإسقاطه قبل الموعد المحدد للولادة ومن المسلم به أن جريمة الإجهاض تقع في كل حالة تنتهي بها حالة الحمل بطريقة غير تلقائية ويتضح من هذا التعريف أن لجريمة الإجهاض 03 أركان وهي الركن المفترض (محل الجريمة)، الركن المادي، الركن المعنوي، والتي سنتناولها بالدراسة في المطلب الآتي.
المطلب الأول: أركان الجريمة
أولا: الركن المفترض (محل الجريمة)
إن محل الجريمة هنا هو وجود حالة الحمل فعلا أي وجود جنين في رحم المرأة يقع عليه فعل الاعتداء سواء بإخراجه حيا قبل موعد ولادته أو قتله في الرحم أو فرضا حسب الأوضاع العادية أي حيث المفهوم الخارجي أو بأنها بنفسها تتوهم بأنها حاملا أو توهم غيرها كما نصت المادة 304: " كل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حاملا.."
وتبدأ حماية حق الجنين في الحياة منذ لحظة الإخصاب إلى لحظة بداية عملية الولادة.
تأخذ هذه الجريمة ثلاث صور: - المرأة التي تجهض نفسها
- إجهاض المرأة من قبل الغير
- التحريض على الإجهاض.
I. الصورة الأولى: إجهاض المرأة لنفسها:
طبقا للمادة 309 من قانون العقوبات والتي تنص " تعاقب بالحبس من 06 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 260 إلى ألف دينا جزائري المرأة التي أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك أو وافقت على استعمال الطرق التي أرشدت إليها أو أعطيت لها لهذا الغرض"
II. الصورة الثانية: إجهاض المرأة من قبل الغير:
طبقا لنص المادة 304 التي تقضي :" كل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حملها...سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك..."
فالمشرع لم يعتد برضا المرأة نظرا لكون الجريمة تهدد المصلحة العامة الاجتماعية لكون الضحية الحقيقية هو الطفل الذي يحرم من الحياة.
III. الصورة الثالثة: التحريض على الإجهاض:
طبقا للمادة 310 من قانون العقوبات: " يعاقب بالحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000 دج أو بالإحدى هاتين العقوبتين كل من حرض على الإجهاض ولو لم يؤدي تحريضه إلى نتيجة ما وذلك بأن:
- ألقى خطابا في أماكن أو اجتماعات عمومية
- أو باع أو طرح للبيع أو قدم ولو في غير علانية أو عرض أو ألصق أو وزع في الطريق العمومي أو في الأماكن العمومية أو وزع في المنازل كتبا أو كتبات أو مطبوعات أو إعلانات أو ملصقات أو رسوما أو صورا رمزية أو سلم شيئا من ذلك مغلفا بشرائط موضوعا في ظروف مغلقة أو مفتوحة إلى البريد أو إلى أي عامل توزيع أو نقل.
- أو قام بدعاية في العيادات الطبية الحقيقية أو المزعومة."
إذ لم يكتفي المشرع الجزائري تجريم الإجهاض في صورته الأولى والثانية وإنما جرم أيضا كل صور الدعاية والتحريض في وسائط الإجهاض لكي يقطع الطريق على من يفكر في ارتكاب هذه الجريمة ويحد من ارتكابها لأن المجهض لن يجد بسهولة ما يحتاج إليه من مواد وأدوات يستخدمها لإجراء الإجهاض.
ثانيا: الركن المادي: في الصورة الأولى والثانية
هو الفعل الذي يصدر عن الأم أو الغير والذي من شأنه إنهاء حالة الحمل وفصل الجنين عن أمه قبل الموعد الطبيعي بغض النظر عن الوسيلة المستعملة كما جاء في نص المادة 304: "...أو بأي وسيلة أخرى..."
1- الوسائل المستعملة:
تقضي المادة 304 من قانون العقوبات: " كل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حاملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو يستعمل طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك..."
ويفهم من العبارة الأخيرة أن المشرع عدد الوسائل على سبيل المثال لا الحصر لذا تعتبر جريمة الإجهاض ذات الطابع الحر من ناحية الوسيلة، إذ يستوي أن تكون الوسيلة مادية أو معنوية.
فقد تكون وسيلة الإجهاض كميائية مثل الأدوية الطبية أو مادة أخرى أيا كانت طريقة تعاطيها (شرابا، أقراص، حقن...الخ.) يكون من شأنها إنهاء الحمل.
وقد تكون وسيلة الإجهاض ميكانيكية مثل توجيه أشعة إلى جسم الحامل أو تدليك جسمها بطريقة تؤدي إلى إنهاء حالة الحمل وكذلك ضرب الحامل؟
وقد تلجأ المرأة الحامل إلى وسائل لا تبدو في ظاهرها إنهاء للحمل ولكنها في حقيقتها تؤدي إلى ذلك، مثل ممارسة الرياضة الطبيعية كالقفز أو حمل الأثقال أو ارتداء ملابس ضيقة أو أحزمة ضاغطة.
وقد تكون وسيلة الإجهاض معنوية مثل ترويع الحامل أو الصراخ فجأة في وجهها. وإذا كان الغالب أن يكون فعل الإجهاض إيجابيا فإنه لا يوجد ما يحول من وقوع جريمة الإجهاض لفعل سلبي أي على طريقة الامتناع مثل امتناع الأم عن الطعام أو الامتناع عن تقديم الطعام لها.
ومهما كانت الوسيلة المستعملة يجب إقامة الدليل على أنها كانت السبب في الإجهاض، ولقاضي الموضوع أن يسترشد برأي الخبراء؛
ومهما كانت نجاعة الوسيلة المستعملة فإن ذلك لا يحول دون عدم العقاب على الجريمة المستحيلة، فمن يشرع في الإجهاض باستعمال وسائل غير ناجعة فإنه يتعرض للعقاب على أساس أن عدم صلاحية الوسيلة المستعملة تدخل ضمن الظروف المستقلة عن إرادة الجاني، وهذا المبدأ ينطبق على الجريمة الإجهاض بصورتيها الأولى والثانية.
2- النتيجة:
وتتمثل في إنهاء حالة الحمل قبل الموعد الطبيعي ويمكن تصورها في الحالات التالية: حالة خروج الجنين ميتا من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لولادته وحالة خروج الجنين حيا من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لولادته لأن في خروج الجنين في هذه الحالة اعتداء على حقه في استمرار النمو الطبيعي حتى الولادة الطبيعية.
لا يشترط لوقوع جريمة الإجهاض أن تظل الأم الحامل على قيد الحياة بعد ارتكاب تلك الجريمة فمن المتصور أن يكون فعل الإجهاض هو فعل قتل الحامل وتكون النتيجة المرتكبة عن الفعل الواحد إنهاء حياة الأم وإنهاء الحمل في نفس الوقت فإذا توفر القصد الجنائي نكون أمام جريمتين فيسأل الفاعل عن القتل والإجهاض في نفس الوقت.
3- العلاقة السببية:
يجب أن تتوفر علاقة سببية بين فعل الإجهاض وإنهاء حالة الحمل قبل الموعد الطبيعي وذلك بأن يثبت بأن الفعل الذي قام به الجاني هو الذي أدى إلى خروج الجنين من رحم الأم قبل الموعد الطبيعي لولادته حيا أو ميتا.
إذ تكون الجريمة تامة إذا تحققت النتيجة وحصل الإجهاض ولا يهم إن حدث الفعل في بداية أو نهاية الحمل، أما إذا لم تتحقق النتيجة المرغوبة فيسأل الجاني عن الشروع في الإجهاض والشروع معاقب عليه بنص القانون طبقا للمادة 304:" ...أو الشروع في ذلك..."
كما يعاقب المشرع الجزائري على الجريمة المستحيلة إذ نصت المادة 304 على قيام الجريمة سواء كانت المرأة حاملا أو مفترض حملها، على عكس المشرع المصري الذي يشترط لقيام جريمة الإجهاض وجود حمل.
ثالثا: الركن المعنوي
جريمة الإجهاض جريمة عمدية، وتتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل مع العلم أن ذلك معاقب عليه قانونا، فيجب أن يعلم الجاني أن المرأة حامل أو مفترض حملها، ومع ذلك يريد القيام بالاعتداء عليها، فإذا كانت إرادته سليمة ومختارة ويريد الفعل يكون قد ارتكب الجريمة، أما إذا كان يجهل ذلك وأحدث فعله إجهاضا فإنه لا يعاقب من أجل الإجهاض، وإنما من أجل أعمال العنف، فهنا القصد الجنائي قصد جنائي عام.
وعلية فإن جريمة الإجهاض تقتضي توافر كل العناصر والأركان المشار إليها سابقا طبقا لنص المادة 304 من قانون العقوبات لذلك يتعين على قضاة الموضوع إبرازها في أحكامهم للنطق بالإدانة على أساس تهمة الإجهاض وإلا تعرضت أحكامه إلى النقض وفي هذا الصدد صدر عن المحكمة العليا غرفة الجنح والمخالفات القرار رقم 252408 بتاريخ 12/02/2001 قضية (ح.ر) ضد (ب.ف) جاء فيه " إن إدانة المتهم بجريمة الإجهاض دون إبراز عناصر التهمة وإثبات القصد الحقيقي للضرب الرامي لمحاولة الإجهاض يعد انعداما في الأساس القانوني" .
4- الركن المادي للصورة الثالثة: التحريض على الإجهاض
يتمثل في كل عمل من شأنه التأثير في نفس الضحية أو الشخص الذي يقع عليه فعل التحريض حتى ولو لم يكن هذا التحريض قد أدى إلى النتيجة المرجوة.
1- الوسيلة المستعملة:
تشترط المادة 310 أن يقوم التحريض بوسيلة من بين الوسائل المحددة على سبيل الحصر و هي
- إلقاء خطب في أماكن أو اجتماعات عمومية.
- بيع أو عرض أو إلصاق أو توزيع كتابات أو صور أو رسوم.
- القيام بالدعاية في العيادات الحقيقية أو المزعومة.
وعليه فإن مجرد إلقاء خطب حماسية في اجتماعات أو أماكن عامة ومجرد بيع أو عرض صور أو محررات بأي لغة كانت وبأي شكل كانت تتضمن دعوة صريحة أو ضمنية، إلى الإجهاض وإسقاط الحمل تكون كافية وحدها أو مع غيرها لتكوين جريمة التحريض على الإجهاض المعاقب عليها بنص المادة 310 من قانون العقوبات
2- النتيجة:
لم يشترط القانون أن يتوفر عنصر النتيجة لقيام جريمة التحريض على الإجهاض بل اعتبر التحريض جريمة مستقلة ومعاقب عليها بذاتها سواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق وسواء تأثرت من وقع عليها التحريض بأساليب المحرض ونفذتها أو لم تتأثر ولم تنفذ.
ولم تشترط المادة 310 أي صفة في الجاني إذ يعتبر فاعلا أصليا ولو اقتصر دوره على مجرد دلالة الحامل على الوسائل المجهضة.
في حين أن هذا الفعل لا يعدو أن يكون وفقا للقواعد العامة في القانون الجزائي إلا اشتراكا .
5- الركن المعنوي:
القصد الجنائي هنا قصد جنائي عام يمكن استخلاصه مما تحتويه الخطب وما تتضمنه الصور والرسائل والمحررات وغيرها ولا يشترط القانون قصد جنائي خاص.
المطلب الثاني: المتابعة والجزء
أولا: المتابعة
تخضع المتابعة في هذه الجريمة للقواعد العامة لتحريك الدعوى العمومية إذ يمكن للنيابة القيام بالمتابعة بمجرد قيام أركان الجريمة ولا تخضع لأي قيد يغل يدها عن ذلك.
ثانيا: الجزاء
I. العقوبات
يميز المشرع من حيث العقوبات بحسب صورة الإجهاض وتركيبته سواء تعلق الأمر بالعقوبات الأصلية أو العقوبات الأخرى.
1- صورة المرأة التي تجهض نفسها: (المادة 309)
أ-العقوبات الأصلية: تعاقب المادة 309 المرأة التي تجهض نفسها أو تشرع في ذلك بالحبس من 06 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 250 إلى 1000دج.
ب-العقوبات التكميلية: يجوز الحكم على الجاني بالمنع من الإقامة وذلك لمدة لا تتجاوز 05 سنوات طبقا للمادة 12/2 من قانون العقوبات.
2- صورة إجهاض المرأة من قبل الغير: ( المواد 304، 305 و306)
أ- العقوبات الأصلية: تعاقب المادة 304 " كل من أجهض امرأة أو شرع في ذلك بالحبس من سنة إلى 05 سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000دج.
وإذا أفضى الإجهاض إلى الموت تكون العقوبة السجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20سنة.
ب-العقوبات التكميلية: يجوز الحكم على الجاني بالمنع من الإقامة و ذلك لمدة لا تتجاوز 05 سنوات طبقا للفقرة الثانية من المادة 12 من قانون العقوبات.
ج-تدابير الأمن: إذا كان الإجهاض من قبل الأطباء،الصيادلة،القابلات، جراحي الأسنان وشبه الطبيين وطلبة الطب بمختلف فروعه وتخصصاته أو تم بتدبيرهم أو مساعدتهم تجيز المادة 306 الحكم على الجاني علاوة على العقوبات المنصوص عليها في المواد 304، 305 عند الاقتضاء بتدبير من تدابير الأمن يتمثل في حرمانه من ممارسة مهنته لمدة لا تتجاوز 05 سنوات ويجوز أن يأمر بالنفاذ المعجل لهذا التدبير وفقا لنص المادة 23 من قانون العقوبات.
وقد يحصل أن تكون المرأة التي تجهض نفسها طبيبة أو قابلة أو صيدلية أو جراحة أسنان أو طالبة في هذه الاختصاصات أو تنتمي للسلك الشبه الطبي، الراجح عندئذ أنها لا تخضع لحكم المادة 306 وإنما للمادة 309 أين تأخذ حكم المرأة التي تجهض نفسها لا للحكم المنصوص عليه في المادة 309 والخاص لصفة الأطباء وأشباههم.
د-الظروف المشددة:تشدد عقوبة الحبس في صورة إجهاض المرأة من قبل الغير في حالة الاعتياد على ممارسة الإجهاض أو على المساعدة عليه فترفع على النحو التالي:
- تضاعف عقوبة الحبس المقررة في المادة 304/01 وهي من سنة إلى 05 سنوات فتصبح من سنتين إلى 10 سنوات.
- إذا أقضى الإجهاض إلى الموت ترفع عقوبة السجن المؤقت المقررة في المادة 304/02 وهي من عشرة إلى 20 سنة إلى الحد الأقصى.
في كل الأحوال فإن المادة 311 من قانون العقوبات تقضي بالحكم على الجاني بقوة القانون بالمنع من ممارسة أي مهنة أو أداء أي عمل بأية صفة كانت في المؤسسات العمومية أو الخاصة للتوليد أو لأمراض النساء مثل المستشفيات والعيادات ودور الولادة.
وتجدر الإشارة إلى أن حكم المادة 311 يختلف عن حكم المادة 309 من عدة نواحي.
الاختلاف الأول: يكمن في أن المادة 306 تقضي بحرمان الجاني من ممارسة مهنته فحسب في حين تقضي المادة 311 بالمنع من ممارسة أي مهنة أو أداء أي عمل في المؤسسات العامة.
الاختلاف الثاني: يتمثل في كون حكم المادة 306 محصور في الأطباء وما شابههم في حين تطبق المادة 311 على كل من ارتكب جريمة ذات صلة بالإجهاض.
تطبيق حكم المادة 311 بقوة القانون في حين أن حكم المادة 306 جوازي
3- صورة التحريض على الإجهاض:
تعاقب المادة 310 على التحريض على الإجهاض بالحبس من شهرين إلى 03 سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين.
-/الإجهاض المرخص به:
لقد نص المشرع الجزائري على حالة لعدم العقاب على الإجهاض وهي الحالة التي أشارت إليها المادة 308 والتي تنص على: " لا عقوبة على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى أجراه طبيب أو جراح في غير خفاء وبعد إبلاغ السلطة الإدارية".
- وهذه الحالة عبارة عن حالة الضرورة، وهي الحالة التي لم يردها قانون العقوبات الجزائري ضمن موانع المسؤولية.
- كما قضت المادة 72 من القانون رقم 85/05 المؤرخ في 16/02/1985 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها على ما يأتي:" يعد الإجهاض لغرض علاجي عندما يكون ضروريا لإنقاذ حياة الأم من الخطر أو للحفاظ على توازنها الفيزيولوجي أو العقلي المهدد بخطر، ويتم الإجهاض في هيكل متخصص بعد فحص طبي يجرى بمعية طبيب اختصاصي".
- وهكذا فإن قانون الصحة أرشد على مكان إجراء الإجهاض المرخص به وشروط إجرائه .