محاضرات في الإقتصاد السياسي المحاضرة الأولي بعض المفاهيم الاقتصادية هناك تفرقة جرى عليها الكتاب منذ القرن الثامن عشر بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية أو الاجتماعية. فالعلوم الطبيعية (مثل الجيولوجيا والفيزياء والكيمياء) تهتم بالبحث في العلاقات بين الأشياء والظواهر الطبيعية، بينما تهتم العلوم الإنسانية (مثل الاجتماع والتاريخ والقانون والاقتصاد) بدراسة أفعال الإنسان وعلاقاته مع غيره من بنى جنسه ومع الأشياء التي تحيط به. وقد عرفت كل العلوم الإنسانية في القرن العشرين تطورا سريعاً وهائلاً. ويبحث الاقتصاديون في توجيه النشاط الفردي والجماعي بقصد استخدام الظروف المادية لتحقيق احتياجات وحاجات الأشخاص. وتحتل المشكلات الاقتصادية في الوقت الحاضر أهمية كبيرة على المستويين القومي والدولي. ومن الثابت أن لهذه المشكلات انعكاسات سياسية واجتماعية لا يمكن إنكارها، حيث يصعب إهمال دور التطورات الاقتصادية في فهم الجوانب السياسية والاجتماعية لأي جماعة من الجماعات. فالواقع الاجتماعي حقيقة معقدة، وكل علم من العلوم الإنسانية لا يعبر إلا عن وجه واحد من وجوه هذا الواقع ولا يتعلق إلا بزاوية من زوايا النظر إلى النشاط الإنساني. وتتمركز المشكلة الاقتصادية حول فهم العناصر التالية:- أولاً : الحاجات الاقتصادية والحاجات الإنسانية الأخرى. ثانياً : الأموال أو الموارد الاقتصادية المحدودة. ثالثاً : القوانين الاقتصادية. رابعاً : الإنتاج. خامساً: النقود. سادساً: الاستهلاك. أولاً : الحاجات الاقتصادية والحاجات الإنسانية الأخرى : ويكون النشاط الإنساني نشاطاً اقتصادياً عندما يسعى إلى مقاومة الندرة النسبية للموارد. فكل إنسان له حاجات أو رغبات تتمثل في إحساس بالأم يريد إزالته أو إحساس بالراحة يريد زيادته. وهناك وسائل قادرة على إشباع هذه الحاجات بإيقاف الإحساس بالألم أو عدم الرضا أو جلب الإحساس بالارتياح أو زيادته. وهذه الحاجات الإنسانية حاجات شخصية، فكل فرد هو الذي يقرر دون تدخل من جانب غيره ما إذا كان لديه حاجة يريد إشباعها ومدى هذه الحاجة. فالحاجة الاقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية وعن الحاجة الاجتماعية وعن الحاجة الأخلاقية. - فالحاجة الاقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية التي تعبر عن عدد السعرات الحرارية اللازمة للفرد. - وتختلف أيضاً عن الحاجة الاجتماعية التي تأخذ في الحسبان المستوى الحضاري والأوساط التي ينتمي إليها الفرد. - كما تختلف عن الحاجة بمعناها الأخلاقي والتي تعتمد على معيار النافع والضار والى بعض القيم الخلقية أو الدينية. - حقيقة أن الحاجات التي يشعر بها الإنسان تحكمها عوامل طبيعية ونفسية وأخلاقية، ولكنها تعتمد قبل كل شيء على المتطلبات الخاصة لصاحب الحاجة، فلا يوجد كما زعم بعض الكتاب حاجات حقيقية وحاجات خيالية. تنوع الحاجات الاقتصادية : وتقسم الحاجات إلى الحاجات الضرورية والحاجات الكمالية، والحاجات الفردية والحاجات الجماعية، والحاجات الحاضرة والحاجات المستقبلية. - فالحاجة الضرورية، هي الحاجة التي تتوقف حياة الفرد على إشباعها كالحاجة إلى الشراب والعلاج والطعام. أما الحاجة الكمالية، فهي تلك التي تزيد من متعه الحياة ولذتها كالاستماع إلى الموسيقى والتنويع في الملابس والمعرفة. - أما الحاجة الفردية، فهي تلك التي تتصل مباشرة بشخصية الإنسان وحياته الخاصة كالحاجة إلى المأوى وتأسيس المسكن والعلاج. أما الحاجة الجماعية، فهي التي تولد وتظهر بوجود الجماعة وحياة الفرد وسط هذه الجماعة، مثل الحاجة إلى الأمن والدفاع عن الجماعة وممتلكاتها ومكافحة الأمراض وغيرها من الحاجات التي تباشرها الدولة عادة بواسطة أجهزة تمثل الصالح العام. - وأخيراً، فالحاجة المستقبلية هي تلك المتوقع ظهورها مستقبلاً كما لو قامت الدولة باستصلاح الأراضي وإقامة السدود وذلك بغية إشباع حاجة مستقبلية وهى خلق أو زيادة الرقعة الزراعية اللازمة لإشباع الحاجة إلى الطعام أو إقامة المساكن وغيرها من استخدامات الأرض العديدة. أما الحاجة الحالة أو الحاضرة فهي تلك الإحساس أو الشعور الحال بالألم مثال ذلك استهلاك المزارع ما ينتجه من غلة. علماً بأن التقسيمات المختلفة السابقة للحاجات والفروق بينها جميعاً نسبية إلى حد بعيد بل ولفظية إلى حد ما. خصائص الحاجات الاقتصادية : وتتسم الحاجات الإنسانية الاقتصادية بتقسيماتها المتعددة السابق ذكرها، بمجموعة من الخصائص، والتي يمكن إجمالها فيما يلي: 1) قابلية الحاجة للإشباع : إذا كانت الحاجة هي الشعور بالضيق أو الألم فهذا الإحساس تتراوح حدته ونوعه وفقاً لظروف الحال، وتقل حدة هذا الشعور إذا أشبع الإنسان حاجاته، فكلما استرسل في الإشباع تناقصت حدة الألم حتى يتلاشى أو يزول كل ضيق أو ألم، على الأقل في حدود الفترة الواحدة، وهذا ما يعبر عنه علم الاقتصاد بظاهرة تناقص المنفعة الحدية. 2) لا نهائية الحاجات : إن حاجات الإنسان لا تنتهي، فإذا ما أشبع حاجة، سرعان ما تظهر له حاجة أخرى، وإذا ما أشبع الأخيرة سرعان ما تجد له ثالثة وهكذا، في سلسلة لا تنتهي. وهذه الخصيصة للحاجات الإنسانية إذ لم يرضى عنها أهل الزهد والقناعة لكنها لاشك من أهم دوافع الرقى والتقدم الاجتماعي، فلولاها لبقى الإنسان في مستويات غير مقبولة من المعيشة، قنوعا بما لديه مادام قادراً على إشباع حاجاته البسيطة. 3) نسبية الحاجات : إن الحاجات التي يسعى الإنسان إلى إشباعها اليوم ليست هي التي كانت بالأمس وهذه الخاصية انعكاساً لضرورات حيوية أو نفسية بقدر ما هي تعبير عن أوضاع اجتماعية تحكمها ظروف الزمان والمكان التي يشعر بها بالإنسان في مجتمع متمدين، أو في تعبير آخر ليست حاجات الأجداد مثل حاجاتنا والتي سوف تختلف بالطبع عنها حاجات الأحفاد. ثانياً: الأموال أو الموارد الاقتصادية المحدودة : لذلك كانت الوسائل التي يملكها الإنسان لإشباع حاجاته محدودة دائماً، بمعني أن الإنسان يعيش في عالم ندرة. فالموارد التي يتصرف فيها إما أن تكون غير كافية لإشباع كل حاجاته في وقت معين، وإما أن تكون موزعة توزيعاً مكانياً سيئاً حيث تتوافر في أماكن معينة وتشح في أماكن أخرى. وحتى لو كانت الموارد التي يتمتع بها الإنسان وفيرة للغاية فإن الإنسان يظل محصوراً بعامل الوقت، وهو أكثر نعم الله على الإنسان ندرة. والمال الاقتصادي هو عبارة عن كل شيئ نافع متاح للاستعمال، والمنفعة هي القدرة على إشباع حاجة من الحاجات أو رغبة من الرغبات الإنسانية. فلكي يعتبر الشيء أو المال اقتصادي ، يجب أن تتوافر فيه الخصائص التالية :- 1- وجود حاجة محسوسة لدى الفرد ووجود علاقة بين الحاجة والشيء يعتبره الفرد قادراً على إشباع الحاجة. 2- يجب أن تتوافر في الشيئ النفعية أي قابليته لإشباع حاجة أو رغبة بطريق مباشر أو غير مباشر . والمنفعة ليست صفة مطلقة بل هي صفة نسبية تتوقف على ظروف الحال. 3- الندرة وهى الخصيصة التي تميز بين الأموال الحرة والمتوافرة بكميات غير محدودة بالنسبة لإشباع الحاجات الإنسانية، والأموال الاقتصادية المتاحة لدى الجماعة بكميات محدودة. والأموال الاقتصادية، وليست الأموال الحرة، هي التي تكون محلاً لاهتمامات الفكر الاقتصادي وعلم الاقتصاد. فلا معني لعمليات الإنتاج والمبادلة إلا بالنسبة للسلع والوسائل الندرة. فالمحيط الخارجي حين يمد الإنسان بأشياء وفيرة تشبع كل حاجة إليها فإن هذه الأشياء تعتبر أشياء حرة لا تدخل في نطاق المبادلات حتى لا يتحمل من يستخدمها أي تضحية لإشباع آخر. فالهواء سلعة حرة وليس سلعة اقتصادية، له قيمة استعمالية ولكنه لا يدخل في نطاق التبادل، بمعني أنه لا يتمتع بقيمة تبادلية. وترجع ندرة الأشياء إلى أسباب طبيعية كندرة المعادن النفيسة، أو إلى أسباب إدارية كوضع قيود على صيد الحيوانات أو صيد الأسماك، أو إلى عوامل دينية كقدسية الأبقار في الهند. ولما كان من الصعب على الإنسان أن يحصل على كل شيئ يحتاجه مرة واحدة، وعمل كل شيئ نافع له في وقت واحد كان عليه أن يختار. فللوصول إلى هدف معين فإن عليه أن يضحي بغاية أخرى حيث لا تكفي الوسائل المتاحة له لتحقيق كل أهدافه. وكل اختيار يتضمن في نفس الوقت تضحية أو تكلفة الفرصة. فعندما تشترى قميصاً فإنك تتنازل عن الإشباع الذي كان من الممكن أن يحققه لك شراء سلعة أخرى بالمورد الذي اشتريت به القميص. وتكلفة الفرصة بتعبير مادي هي التضحية التي يتحملها الشخص حين يختار بين عدد من الأفعال الممكنة. فعندما يقوم الشخص بنشاط معين. (إنتاج سلعة معينة مثلاً) فإن التكلفة التي يتحملها تتمثل في الفرص التي لم يحصلها (قيمة السلعة والخدمات التي لم يتمكن من إنتاجها) لأن الموارد المستخدمة لم تعد متاحة لاستخدام آخر. فندرة الوسائل، والاختيار بين الغايات، والتكلفة هي الأفكار الرئيسية التي تسمح بفهم جوهر النشاط الاقتصادي، حيث أن حياتنا الاقتصادية تتكون من مجموعة من القرارات المتشابهة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الوسائل والحاجات. وانطلاقاً من هذه الوجهة من وجهات النظر نستخدم دخلنا، وندير صفقاتنا، وننظم إنتاجا، وتوزيع وقتنا بين العمل والفراغ بين اليقظة والنوم. فمقاومة الندرة هي جوهر النشاط الاقتصادي سواء تعلق الأمر بشخص معين يعيش منعزلاً في الصحراء أو كان يتعلق بشخص يعيش في جماعة يتخصص كل عضو من أعضائها في عمل معين ويركز جهوده في نشاط واحد لمصلحة الآخرين بحيث توزع الموارد الإجمالية على الجميع عن طريق التبادل. وتتم مقاومة الندرة بالعمليات الإنتاجية. فالأفراد حين يشعرون بالحاجات يبحثون عن تحسين ظروف معيشتهم بممارسة عمليات إنتاجية ومبادلات موضوعها سلع وخدمات تخصص في النهاية للاستهلاك. ثالثًا : القوانين الاقتصادية : تُعبر القوانين الاقتصادية عن جوهر العمليات أو الظواهر الاقتصادية الجارية، وهى عمليات تجري في دائرة علاقات الإنتاج. ولكن الجوهر والظاهرة ليس متطابقين، ولو كان متطابقين، لما كانت هناك حاجة لعلم الاقتصاد، ولكانت تكفي قوة الملاحظة والتجربة والرصد في الحياة للكشف عن جوهر العمليات أو الظواهر الاقتصادية. واكتشاف القوانين، بصفة عامة، لا يتطلب الموهبة والمقدرة العملية فحسب، وإنما يتطلب في كثير من الأحيان قدراً كبيراً من الشجاعة الشخصية، ويصدق هذا القول في حالة قوانين الحياة الاقتصادية. فالقوانين التي يدرسها علم الاقتصاد غالباً ما تمتد بآثارها إلى مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية، فالقوانين الاقتصادية التي يكشف عنها علم الاقتصاد لا تعتبر ذات قيمة نظرية محضة بل لها آثارها العملية. من جهة أخرى، تتفاوت القوانين الاقتصادية من حيث الأهمية داخل النظام الاقتصادي الواحد، كما قد يكون لقانون اقتصادي أهمية كبرى في ظل نظام اقتصادي معين، كالنظام الرأسمالي ، ويفتقد جزءاً كبيراً من أهميته في ظل نظام اقتصادي أخر . كما أنه في حدود النظام الاقتصادي الواحد تتفاوت القوانين الاقتصادية في أهميتها. فهناك منها الرئيسي الذي يفسر الظواهر والعلاقات الرئيسية أو الأساسية التي تبرز جوهر النظام، وهناك القانون الاقتصادي الثانوي الذي يفسر جانبا محدودا أو جزءا من جوانب العلاقات والظواهر الاقتصادية التي يتكون منها النظام. وأخيراً، يمكن إجمال السمات الرئيسية للقوانين الاقتصادية فيما يلي : 1- نسبية التطبيق، أي تغيرها بتغيير الزمان والمكان. فالقوانين الاقتصادية التي تنطبق في بلد متقدم قد لا تنطبق في بلد متخلف، وتلك التي تنطبق في بلد رأسمالي قد لا تنطبق في بلد ذات نظام اقتصادي اشتراكي. فالثبات والاستقرار الذي يتصف بهما القانون الطبيعي، نجدهما نسبيان للقانون الاقتصادي. 2- كما تتسم القوانين الاقتصادية بأنها ليست حتمية التطبيق أو الحدوث. 3- كما تتميز القوانين بعدم دقتها الحسابية ، فهي لا يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى نتائج دقيقة محددة ، وإنما هي تعبر عن مجرد ميل أو اتجاه معين. وتمدنا النظرية الاقتصادية بنماذج لهذه القوانين الاقتصادية. فقد استطاع جوسن قى سنة 1854 أن يعلن قانونين للحاجات، الأول : قانون الاستمرار، والثاني : قانون التكرار. * ومضمون قانون الاستمرار هو أن أي رغبة يوالي إشباعها دون توقف تتناقص حدتها حتى تنتهي بالانعدام بعد أن كانت مرتفعة في بدايتها. وهذا هو قانون تناقص حدة الحاجات أو قابلية الحاجات للإشباع. وتختلف قابلية الحاجة للإشباع من فرد إلى فرد آخر، وبالنسبة للفرد الواحد من حاجة إلى حاجة أخرى. * ومضمون قانون التكرار هو أن الإحساس المريح عندما يتكرر تتناقص درجة حدة الرغبة ومدتها. وتتناقص حدة الرغبة ومدتها بسرعة كلما كان التكرار متعاقباً على فترات قصيرة. رابعاً: الإنتاج : تقوم عمليات الإنتاج على تجميع العوامل الطبيعية أو الأدوات الفنية مع العمل من أجل الحصول على سلع وخدمات تخصص للاستهلاك. فالإنتاج يتضمن عمليات تحويل وعمليات نقل الموارد الاقتصادية. والإنتاج إما أن يكون إنتاج سلع مادية أو خدمات غير مادية (خدمات). وقد استبعد الفكر الاقتصادي في وقت من الأوقات الحصول على خدمات من نطاق الإنتاج. ففي كتاب ثروة الأمم وضع أدم سميث بين المهن غير المنتجة الجيش والحكومة وبعض المهن الأخرى مثل رجال الدين ورجال القانون والأطباء والممثلون والموسيقيون والمطربون والراقصون. فقد قدر آدم سميث أن عمل هؤلاء يهلك وقت إنتاجه متأثراً بأن وقتاً معيناً يمر بين الحصول على الشيئ المادي واستهلاكه، بينما يتم إنتاج واستهلاك الخدمات في وقت واحد دون أي فاصل زمني. ولكن هذه الخدمات تشبع حاجات إنسانية وهى خدمات مرغوبة والذين يمارسونها يمدون المجتمع بنشاط منتج. ونتيجة لذلك يمكن القول أن كل تصرف يوجد منفعة يعتبر تصرفاً منتجاً. والعمل المنتج قوامه الحصول على تيار من المنافع من عوامل الإنتاج. وفكرة المنفعة فكرة محايدة في علاقاتها بالأخلاق أو بالصحة. فأي سلعة أو خدمة تعد نافعة طالما أن هناك مستهلكاً يرغبها لإشباع حاجة له ولو كان هذا الإشباع متعارضاً مع الاعتبارات الصحيحة أو الأخلاقية. فالخمور والسجائر تعتبر سلعاً نافعة من وجهة نظر مستهلكيها يضحون في سبيل الحصول عليها بجزء من مواردهم، رغم أنها سلع ضارة من الناحية الصحية. ويمكن التمييز بين طائفتين كبيرتين من السلع والخدمات: · السلع الاستهلاكية أو النهائية وهى التي تستخدم في الإشباع المباشر لحاجات المستهلكين دون أن تمر بأي مرحلة أخرى من مراحل الإنتاج مثل الخبز. · السلع الإنتاجية أو غير المباشرة، وهى تستخدم في الإمداد بسلع الاستهلاك كالأدوات والآلات. · ويمكن تصنيف السلع الاستهلاكية والسلع الإنتاجية إلى : · سلع ذات استهلاك فوري يتم استهلاكها بالاستخدام لمرة واحدة مثل الخبز والكهرباء. · سلع ذات استخدام متكرر حيث تستخدم عدة مرات وتوزع منفعتها خلال الزمان مثل المنازل والملابس والآلات. · والطلب على السلع التي يتم استهلاكها باستخدامها مرة واحدة طلب منتظم، بينما يتغير الطلب على السلع ذات الاستخدام المتكرر تغيراً كبيراً بحسب الحاجة إلى شرائها التي غالباً ما تكون محلاً لتغيرات كبيرة. ويمد الأفراد بعضهم بعضاً بالسلع والخدمات اللازمة لإشباع حاجاتهم عن طريق عمليات المبادلة. فكل فرد يعتبر في وقت واحد منتجاً لسلع وخدمات ومستهلكاً لسلع وخدمات أخرى. فصانع الأثاث يشترى اللحم ويستهلك خدمات الطبيب. وتتوقف درجة تشابك عمليات المبادلة على درجة التخصص وتقسيم العمل وقد شهد العالم الحديث تطوراً كبيراً في تقسيم العمل الأمر الذي أدى إلى نمو المبادلات. خامساً : النقود : تعتبر النقود من المسائل الهامة ذات الصلة بالمشكلة الاقتصادية وقد أدى استخدام النقود إلى تسهيل المبادلات بإحلال التبادل غير المباشر محل التبادل المباشر أو المقايضة. فالنقود أدت إلى زيادة مرونة الصفقات الاقتصادية ولكن النقود ليست سلعة تبادل فقط، وذلك لما لها من منفعة خاصة تتمثل في كونها هي السيولة في ذاتها. فكل فرد تتكون ثروته من سلع حقيقية عقارية (كالأرض والعمارات) أو من صكوك (مثل أسهم الشركات وسنداتها وصكوك الدولة) عليه أن يحولها إلى مال سائل (نقود) إذا أراد سلعة دون حاجة إلى سلعة أخرى. أما النقود فيمكن استخدامها لشراء أي سلعة دون حاجة إلى أي عملية تحويل. فالنقود تعطى إذن لصاحبها خدمات خاصة أهمها الاحتياط للمخاطر غير المتوقعة، وشراء السلع والصكوك التي يفضلها في ضوء التغيرات التي تطرأ على الأسعار .والنقود إما أن تكون نقوداً معدنية أو أوراق بنكنوت، وإما أن تكون شيكات أو تحويلات بين الحسابات في البنوك أو صناديق التوفير. فالنقود تشمل مجموعة وسائل الدفع المستخدمة سواء عن طريق النقل المادي من يد إلى يد أو عن طريق التحويل الحسابي. سادساً : الاستهلاك: الاستهلاك هو العملية التي بها تشبع الحاجات الاقتصادية والذي يأخذ صورة إنهاء السلعة أو الخدمة واستنفاذ ما فيها من منفعة. فالخبز يستهلك بأكله ليخفف إحساسنا بالجوع. والمشهد المسرحي يستهلك عندما ينتهي بإشباع الرغبة في التسلية، والسيارة، وهى سلعة استهلاكية معمرة، يجب أن تستبدل بها سيارة أخرى عندما تقطع عدداً معيناً من آلاف الكيلومترات. وبالإضافة إلى سلع الاستهلاك المعمرة أو غير المعمرة المخصصة للإشباع عن طريق استنفاذ ما فيها من منفعة، توجد سلع المتعة كاللوحات والتحف، وهى بطبيعتها سلع دائمة تساهم في إشباع جانب من حاجات الإنسان. المحاضرة الثانية تعريف علم الاقتصاد ومحتواه بمراعاة كل الأفكار التي اعتمدنا عليها في المحاضرة السابقة يمكن تعريف علم الاقتصاد بأنه يمكن تعريف علم الاقتصاد بأنه علم إدارة الموارد النادرة حث يدرس الصور التي يتخذها التصرف الإنساني في تدبير هذه الموارد. فهو يحلل ويشرع الصيغة التي يقوم الفرد أو الجماعة طبقاً لها بتخصيص الموارد المحدودة لإشباع الحاجات المتعددة غير المحددة. وهذا التعريف يثير الملاحظات الآتية :- 1- يدرس علم الاقتصاد كل أشكال التصرف الإنساني في مقاومته للندرة. وإدارة الموارد النادرة لا ترتد إلى مجرد المبادلة الحرة بمقابل، وإنما تشمل أيضاً استخدام الجبر أو الإكراه العام والخاص الذي تمارسه الدولة أو بعض الأفراد أو الجماعات ذات السلطة أو السطوة، كما تتضمن الالتجاء إلى المنح أو التحويلات دون مقابل للمنتجات أو النقود مثل الإعانات الاجتماعية. 2- يدرس علم الاقتصاد العلاقات بين غايات النشاط الإنساني والوسائل المستخدمة لتحقيق هذه الغايات، ولكنه علم محايد بالنسبة للغايات. فهذه الأخيرة متعددة ومتباينة، ولا يدخل في مهمة علم الاقتصاد شرحها أو تقويمها. ومع ذلك فإن من مهام علم الاقتصاد أن يبين كيفية حكم الغايات للنشاط الاقتصادي للإنسان وكيف أن تحولها وتغيرها يؤثر على صيغ هذا النشاط. وينتمي إلى علم الاقتصاد البحث عن الغايات المتعددة للفعل لتحديد الملائم والقابل للتحقيق من بينها، والطرق الاقتصادية الأنسب لتحقيقها. ومن هذا التعريف يمكن أن يحدد محتوي علم الاقتصاد : 1- يهتم علم الاقتصاد في المقام الأول بوصف طرق إدارة الموارد النادرة التي تظهر في الزمان والمكان. فهو يلاحظ ويصنف المعلومات الناتجة عن التجارب الإنسانية. 2- يهتم علم الاقتصاد في المقام الثاني بتنظيم الوقائع على نحو يظهر الوحدة والدورية التي تطبع التصرفات الإنسانية. فمن مهام النظرية الاقتصادية أو التحليل الاقتصادي تأسيس الأفكار، والبحث عن محددات الظواهر وآثارها، وإيضاح العلاقات العامة الثابتة التي تقوم بينها. فالنظرية الاقتصادية تستنبط من الواقع شرحا مبسطا لتشغيل اقتصاد معين، وتقيم نظما منطقية تشكل نماذج شارحة للحقيقة الاقتصادية. 3- يساهم علم الاقتصاد في توجيه السياسة الاقتصادية. فهو لا يقترح أهدافا سياسية أو اجتماعية، ولكنه يسعى إلى تحديد السياسة الاقتصادية المتكاملة التي تلائم تحقيق أهداف سياسية واجتماعية معينة. ويبين مدى التناسق بين الأهداف وإمكانية تحقيقها من الناحية الاقتصادية والوسائل التي تستجيب لتحقيق هذه الأهداف وأفضل هذه الطرق. 4- في مواجهة أهداف معينة وفي إطار ظروف عملية محددة، يقدم علم الاقتصاد قواعد الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية وصيغ تحقيق الرفاهية المادية. من جهة أخرى، وامتدادا لبيان محتوى علم الاقتصاد، يعرف الفريد مارشال (1842- 1924) علم الاقتصاد أو علم الاقتصاد السياسي بالقول" إن الاقتصاد السياسي، أو علم الاقتصاد هو دراسة للبشرية في ممارسة شئون حياتها العادية". وعلى الرغم من شمول التعريف لمسائل غير اقتصادية، أو تخرج عن نطاق علم الاقتصاد، إلا أنه يرد على ذلك بأنه لا يوجد في السلوك البشرى أو الإنساني الكثير الذي يمكن استبعاده من نطاق علم الاقتصاد، وباعتباره منبت الصلة بالموضوع. غير أنه لأغراض عملية، تدور اهتمامات علم الاقتصاد السياسي حول الإجابة على الأمور والأسئلة المحورية التالية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأسئلة تتغير بدرجة كبيرة من حيث إلحاحها مع تغير البيئة المحيطة التي تحدد الإجابة عليها محتوى علم الاقتصاد، وتتمثل هذه الاهتمامات في : Û السؤال المحوري الأول هو : التساؤل عما يحدد أسعار السلع والخدمات، وكيفية توزيع حصيلة هذا النشاط الاقتصادي، والعوامل والاعتبارات التي تحدد حصة كل عامل من عوامل الإنتاج، أو بتعبير آخر الحصة التي تذهب إلى الأجور والفائدة والأرباح وريع الأرض والأشياء الثابتة وغير القابلة للتغيير المستخدمة في الإنتاج. وطوال فترة زمنية طويلة من تاريخ الفكر الاقتصادي كان موضوع نظرية القيمة وموضوع نظرية التوزيع هما الشاغل الأساسي والمحوري لعلماء الاقتصاد. ومازال الاعتقاد السائد بأن علم الاقتصاد السياسي قد بلغ سن الرشد عندما أحاط بهذين الموضوعين بطريقة منهجية في الجزء الأخير من القرن الثامن عشر. وابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من عدم تسليم الاقتصاديين التقليديين بالتغير، فإن أهمية تحيد الأسعار أو نظرية القيمة والعوامل التي تحدد حصص التوزيع أخذتا في التراجع. حيث برز على السطح اهتمامات اقتصادية أخرى. Û وإلى جانب نظريتي القيمة والتوزيع، تبقي الأسئلة والأمور المحورية الأخرى، وفي مقدمتها كيف يجرى نشر أو تركيز الدخل الموزع مثل الأجور والفائدة والأرباح والريع؟ وما ينتج عن ذلك من تباينات اجتماعية على امتداد السنون. فطوال التاريخ الاقتصادي وجد الأغنياء وهم قليلون والفقراء وهم كثيرون. ومن ثم طرح السؤال التالي : ما السبب في أن تكون الحال كذلك؟ Û كذلك بدأ اهتمام علم الاقتصاد، في العقود الأخيرة، بمحاولة الإجابة على التساؤل التالي : ما الذي يؤدى إلى التحسن أو النمو الاقتصادي أو تنشيطه، وعلى ما يسبب التقلبات – الدورية أو غير الدورية – في إنتاج السلع والخدمات؟ فقد بدأ الاهتمام بمسائل التنمية منذ الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ يظهر محور جديد من محاور النظرية الاقتصادية أو التحليل الاقتصادي. ولقد عرف الاقتصاديون الأوائل من أمثال آدم سميث ومن تبعه ثم كارل ماركس وأنصاره اهتماما عاماً بقضايا النمو بصفة عامة. غير أن الفارق الأساسي بين الأوائل والمحدثين هو أن هؤلاء الآخرين لم يهتموا بمشكلة تطور المجتمعات ونموها الاقتصادي بصفة عامة وإنما بأحوال التطور الاقتصادي لدول لم تستطع أن تشارك بشكل ملحوظ وفعال في التقدم الاقتصادي والتكنولوجي العالمي. ولعل من الملاحظ أن الفكر الاقتصادي التنموي قد ولد في العالم الاقتصادي المتقدم، ومن أهم الأسماء في هذا الصدد " نركسو وأرثر لويس وهرشمان وموريس دوب وميردال " ولم تظهر مساهمات أصلية من مفكري دول العالم الثالث في مسائل التنمية إلا في فترة متأخرة نسبيا، واقتصرت بشكل عام على مساهمات أبناء من الهند وأمريكا اللاتينية. Û وتمضي الأسئلة المحورية ومنها : لماذا يكون من المتعذر في الاقتصاد إيجاد فرص عمل للأعداد الغفيرة من الراغبين في العمل؟ فالحديث عن البطالة في سنوات القرن التاسع عشر كان أمراً نادرا، أما في سنوات القرن الماضي (العشرين) فتوفر فرص عمل كافية، كانت من المسائل المحورية في اقتصاديات هذا القرن .والتي سوف تبقى من المسائل المحورية في اقتصاديات القرن الحادي والعشرين، الذي نحن في عقده الأول. Û وأخيراً، وبشكل أقل أهمية، هناك الظروف السياسية والاجتماعية التي تمضي فيها الحياة الاقتصادية. فماذا عن الرأسمالية وفعاليتها، والمشروع الحر، ودولة الرفاهية، والاشتراكية والشيوعية. فعلم الاقتصاد يصير مسرحا لقوة التعبير عن الحجج. كل هذه الأسئلة وغيرها، والحلول التي تقترح لها هي موضوع علم الاقتصاد السياسي التقليدي والحديث. المحاضرة الثالثة نشأة النظام الرأسمالي وخصائصه أولاً : نشأة النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق : إن معرفة الظروف التي وجد من خلالها النظام الرأسمالي، تمثل في نفس الوقت معرفة بتاريخ الفكر الاقتصادي إزاء المشكلة الاقتصادية. وفي هذا الصدد، يذهب بعض مؤرخي الفكر الاقتصادي إلى القول بأن الفترة التي سبقت منتصف القرن الثامن عشر (تاريخ اكتمال أركان النظام الرأسمالي وظهوره على السطح)، وباستثناء النظام البدائي، قد سادها نظام اقتصادي واحد، وهو النظام الإقطاعي. في حين يذهب البعض الآخر إلى القول بأن هذه الفترة شهدت نظامين اقتصاديين متميزين ومتعاقبين، وهما – على التوالي – النظام الإقطاعي والنظام الحرفي، ويقولون بأن النظام الأول ساد الفترة من القرن الخامس وحتى القرن الثالث عشر، وساد النظام الثاني الفترة من القرن الثالث عشر حتى منتصف القرن الخامس عشر أو بداية القرن السادس عشر. ويتفق الرأيان في أمرين، أولهما : أن الفترة الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر، هي الفترة التي شهدت مقدمات ميلاد النظام الرأسمالي، أو هي الفترة الانتقالية لبروز هذا الأخير، وثانيهما : أن النظام الإقطاعي (والنظام الحرفي) قد ساد الفترة الزمنية التي تسمي بالعصور الوسطي، والتي يشير إليها الرأي الأول بالفترة البينية المستمرة. وسوف نستعرض أولاً سمات النظام الاقتصادي السابق على ظهور النظام الرأسمالي، ثم نتلو ذلك ببيان المقدمات لميلاد الرأسمالية. 1) سمات النظام الاقتصادي السابق على الرأسمالية: ثبت أن الأفكار الاقتصادية إلى حد كبير نتاج لزمانها ومكانها، ولذلك إذا ما أردنا أن نتفهم النظام الرأسمالي، فليس بوسعنا أن نحقق ذلك إلا من خلال إطلالة على الماضي، وضرورة معرفة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكر الاقتصادي للنظم أو النظام السابق على الرأسمالية. ويمكن القول أن الحياة الاقتصادية في العصور الوسطي لا يجمعها شبه كبير بالمجتمع الاقتصادي الحديث، أو على الأقل بالفترة الانتقالية لميلاد النظام الرأسمالي، وتبعاً لذلك لم يكن هناك الكثير الذي يحتاج إلى بيان حسبما يرى علم الاقتصاد الآن. من جهة ثانية، وصف هذا النظام بالنظام الإقطاعي، نظراً لاقتطاع الأسياد أجزاء من أراضيهم الزراعية للرقيق في مقابل التزامات نقدية وعينية متعددة. فقد حدث، وبعد انهيار الإمبراطورية الرومانية والحروب الأهلية والخارجية وتفتت السلطة المركزية العامة، أن قوى الاتجاه نحو النظام اللامركزي، فنشأت، على أنقاض الإمبراطورية الرومانية دول صغيرة، يرأس كل منها ملك، ويحكم أهلها وينظم اقتصادها على أساس هرمي، وبمقتضاه يقتطع الملك أجزاء من أراضى الدولة لتابعيه من الأمراء في مقابل التزامات مادية وحربية، ثم يقتطع الأمراء بدورهم مساحات من أراضيهم إلى تابعيهم من النبلاء، ثم يقتطع النبلاء أو السادة أجزاء للرقيق – بعد تحريرهم – في مقابل التزامات عينية ونقدية متعددة، وهكذا يكون الملك، من الناحية النظرية هو سيد الأسياد. ويمكن إبراز السمات الأساسية للنظام الاقتصادي الإقطاعي فيما يلي:- 1- أنه نظام اقتصادي مغلق، استمر لفترة يقوم على الاكتفاء الذاتي أو الإنتاج بغرض الاستهلاك. 2- يمثل النشاط الزراعي النشاط الاقتصادي الهام، والذي ينظم وفقاً للعلاقات القائمة بين طبقتين وهما: والأشراف أو الأسياد أو أصحاب الأراضي، ورقيق الأرض. 3- كذلك كانت طوائف الحرفيين أو النشاط الحرفي، والذي ظهر بعد فترة من بداية النظام، بجانب النشاط الزراعي، من السمات المميزة للحياة الاقتصادية في العصور الوسطي، ومع هذا النشاط أصبح الإنتاج يتم بغرض التبادل، وإن كان على نطاق محدود. 4- تمثلت القوى الإنتاجية أو أدوات الإنتاج الأساسية، والتي تشمل أساساً الأرض والعمل ورأس المال والمهارات التنظيمية، القوى في عاملا الأرض والعمل. 5- إن السوق، بالرغم من تزايد أهميتها بمرور السنين، كانت على وجه التحديد جانباً ثانوياً من جوانب الحياة الاقتصادية في العصور الوسطي, فالجماهير الريفية كانت تزرع وتصنع ما تأكله أو تلبسه، وتسلم جزءاً منه إلى طبقة من الأمراء والسادة أحراراً أو مزارعين يقتسمون المحصول مع الملاك أو الأسياد أو مستأجرين، ويمكن أن يكون على رأسهم كأسياد الكنسية، والملك وكبار النبلاء، وطبقة عليا من المستأجرين، ولكن مهما تكن العلاقة بين السيد والعامل سواء كان الأمر التزاماً أو إكراها، فإن المنتجات والخدمات كانت تسلم ولا تباع، أو بعبارة أخرى لم تكن هناك السوق أو التجارة. 6- على أنه لا ينبغي بوجه عام تحميل عدم وجود تجارة أو سوق في العصور الوسطي أكثر مما يحتمل – فقد كانت هناك المدن، وإن كانت شديدة الصغر بالمقاييس اللاحقة ، وكانت هناك حاجات أو رغبات متنوعة للإقطاعيين الأعلى مرتبة يقوم على تحقيقها تجار من هنا وهناك أو يجرى إشباعها بالشراء من الحرفيين – ومن ثم فقد كانت هناك السوق، ولكنها ليست سوقاً من نمط العلاقات اليومية، ولم تكن تجتذب اهتماماً أو فكراً رئيسياً. وعلم الاقتصاد في جانب من جوانبه، يركز على السوق، ولكن في عالم كان السوق فيه نتاجا ثانويا من جوانب الحياة الاقتصادية في العصور الوسطي بل جانبا لا يهم إلا الخاصة، وبالنظر إلى أن علم الاقتصاد كما يعرف الآن لم يكن قد وجد بعد. 7- وعلى الرغم من الأهمية المحدودة للسوق وللتبادل، وعلى الرغم من أن علم الاقتصاد لم يكن قد عرف بعد في العصور الوسطي، إلا أن العمليات المحدودة للبيع والشراء، وعلى النحو الذي كانت تتم به، كانت قد اجتذبت فكر بعض الفلاسفة، والذين كان لهم فكر معين في بعض المسائل الاقتصادية كمسألة مشروعية السعر أو عدالته أو ما يسمي بمفهوم السعر العادل، والفائدة، والتجارة. فإذا كنا قد ذكرنا أن الأسواق في العصور الوسطي لم تكن إلا جزءا صغيراً من الحياة الاقتصادية اليومية، إلا أنها رغم ذلك كانت لها سماتها الخاصة، منها أن مبيعات كثيرة من الخيول أو الماشية مثلاً، كانت تتم من شخص لآخر أو من تاجر أو من حفنة من التجار إلى الآخرين، أو كانت تخضع العملية للضوابط التي تقررها طوائف الحرفيين، والتي وجدت لأغراض كثيرة منها ضبط الأسعار وأجور العمال. وكان سعر السوق الذي يتحدد بطريقة تنافسية أو غير شخصية أمراً استثنائيا وليس هو المعتاد طوال العصور الوسطي. وفي كل الحالات، عدا أندرها، كانت هناك شواهد على قدر متفاوت من القوة الاحتكارية التي تزيد أو تنقص حسب الأحوال. في هذا الصدد يقول القديس الفرنسي توما الاكوينى (1225 – 1274) عن مشروعية السعر أو عدالته (أنه لأثم عظيم أن يمارس الاحتيال من أجل بيع شيئ لأكثر من سعره العادل …" فبيع شيئ بسعر أعلي مما يستحق، أو شراؤه بسعر أرخص مما يستحق يعد في حد ذاته سلوكاً غير عادل وغير قانوني". ومفهوم السعر العادل مازال على قيد الحياة. كذلك وافق القديس توما الاكويني، بل أكد بقوة، الحظر على أخذ الفائدة، وربط ذلك بمراعاة صواب التجارة بوجه عام. ولم تكن إدانته للتجارة شاملة، حيث فرق بين نوعين من التبادل : الأول : يسمي التبادل الطبيعي والضروري، وعن طريقه تتم مبادلة شيئ بآخر أو مبادلة شيئ مقابل نقود بغرض تلبيه احتياجات الحياة، وهذا النوع من التبادل أو التجارة جدير بالثناء. أما النوع الثاني من التبادل أو التجارة : هو مبادلة نقود مقابل نقود أو أشياء مقابل نقود، لا لتلبية احتياجات الحياة، ولكن لتحقيق كسب، هذا النوع الثاني من التجارة مدان ومرفوض. وهكذا انضم التجار المحترفون – السماسرة والمضاربون والوسطاء – إلى مقرضي النقود في الإدانة الأخلاقية. لكن، وبعد مرور أعوام طويلة على رأى وفكر القديس توما الاكويني، حدث تغير هائل في المواقف على يد الفرنسي نيكول أوريسم (1320- 1382). فالتجارة التي كانت هامشية وموضوع ريبة في فكر القديس توما الاكوينى، صارت محورية في فكر نيكول أوريسم. وبات ينبغي أن تقوم السياسة التي يتبعها الأمير أو الدولة أو المجتمع على تشجيع التجارة وتهيئة الظروف التي يتطلبها هذا التشيجع. كما تتبع أوريسم تاريخ النقود و إليه تعود نظرية المذهب النقدى Monetarism ، أو نظرية كمية النقود، ومفادها أن مقدار النقود المتداولة في الاقتصاد يؤثر في مستوى الأسعار، ومن ثم يمكن التحكم في التضخم عن طريق ضبط عرض النقود. خلاصة الأمر، أنه وجد في هذه الفترة الطويلة ما هو أكثر من كلمات القديس توما الاكوينى ونيكول أوريسم، ولكن ليس أكثر كثيراً. ويرجع ذلك إلى أن علم الاقتصاد أو الفكر الاقتصادي لا يوجد بمعزل عن الحياة الاقتصادية ذات الصلة. فثبات وركود المجتمع الإقطاعي كان يهيمن على توزيع البضائع والخدمات، لا استجابة لسعر وإنما للقانون والعرف والخوف من العقوبات البالغة القسوة، كما كانت السوق استثناءا عل فئة قليلة، ومن أجل ذلك لم تولي اهتماما كبير. أما أوريسم فكان يستجيب أو يتنبأ بعالم جديد آخذ في الاتساع تواصل فيه الأسواق وكذلك النقود الظهور بقوة. 2) مقدمات ميلاد الرأسمالية : تجمعت عوامل كثيرة، خلال فترة زمنية، أدت بدورها إلى تداعى وانهيار النظام الإقطاعي، وفي نفس الوقت مهدت لظهور نظام جديد. ويحدد مؤرخو تاريخ الفكر الاقتصادي هذه الفترة، بتلك الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر، تلك الفترة التي شهدت بوضوح ببداية الثورة الصناعية ووقوع الثورة الأمريكية وصدور المؤلف العظيم " ثروة الأمم Wealth of Nations " لآدم سميث. ويشار إلى هذه المرحلة، أحيانا، والتي امتدت نحو ثلاثون قرون، الرأسمالية التجارية، وأحيانا لمذهب التجاريين أو المركنتيلية Mercantilism. وعموما فهذه الفترة تقدم لنظام جديد قادم. فهما هي إذن هذه العوامل؟ وما هي أهم الأفكار الاقتصادية التي سادت خلال هذه الحقبة؟ وأهم من قام بتحديد معالم هذه الحقبة؟ أ) أما عن إجابة التساؤل الأول، فيمكن إبراز أهم العوامل فيما يلي : 1- انتشار الأسواق والصعود الاجتماعي لطبقة التجار. تزايدت، وبمعدلات كبيرة، حركة التجارة محليا ودوليا، وأصبحت تشمل الأراضي الأوروبية فيما بينها وكذلك بين الأخيرة وبلدان شرقي البحر المتوسط. كذلك ظهرت البنوك، أولاً في إيطاليا ثم تبع ذلك انتشارها في أوروبا الشمالية. كما أن بورصات النقود، حيث مكان وزن عملات البلدان المختلفة ومبادلتها، أصبحت من سمات هذه الفترة الزمنية. وإذا كان التاجر متواريا في الفترة السابقة، وعمله منبوذا، صار شخصية مقبولة وذات مكانة اجتماعية. وفي نفس الوقت بدأ يتوارى، اجتماعيا، أصحاب الأراضي أو ورثة البارونات الإقطاعيين. ولم يكن كبار التجار مجرد ذوى نفوذ في الحكومة وإنما كانوا هم الحكومة، وكان نفوذهم يتزايد في الدولة القومية الجديدة، والتي يملون عليها ما يحقق أهدافهم من السياسات العامة والعمل العام بدوره، انعكاسا لآرائهم. 2- ظهور وتدعيم سلطة الدولة الحديثة: فمع صعود القومية جاءت المصالح المتبادلة والعلاقة الحميمة بين سلطة الدولة ومصلحة التجار. وقد طرح البعض التساؤل التالي وهو : هل كانت الدولة القومية هي الأداة الضرورية لسلطة التجار؟ أم سعت الدولة نحو التجار في خدمة سلطاتها الأعلى؟ 3- الاكتشافات الجغرافية الجديدة : مثل رحلات كشف أمريكا والشرق الأقصى للملاحيين كولومبس وفاسكو دى جاما، ورحلات أخرى قامت بها دول البرتغال وأسبانيا وإنجلترا وفرنسا وهولندا. وكان من نتيجة هذه الرحلات اتساع الأسواق، وتدافع منتجات جديدة وغير مألوفة إلى أوروبا من الشرق، والأكثر أهمية كان سيل الفضة والذهب من مناجم العالم الجديد. 4- الحركة الصعودية الكبيرة في الأسعار : كان من أثر تدفق المعادن الثمينة إلى أوروبا من الأراضي الجديدة حدوث ارتفاع عام في الأسعار وظهور مبكر لنظرية كمية النقود "Quantity Theory of Money "، مؤداها أنه إذا كان حجم التجارة ثابتا ، تتغير الأسعار في تناسب مباشر مع عرض النقود. وقد تبين في ذلك الوقت أن وجود عملة معدنية مستقرة – قاعدة الذهب والفضة – يتفق مع تضخم الأسعار. وقد دخلت العلاقة بين عرض النقود والأسعار مجال التعليق الاقتصادي في تلك الأيام. من هؤلاء الاقتصادي الفرنسي جان بودان (1530- 1596) الذي هذب إلى القول بأن الأسعار المرتفعة يقف وراءها أسباب كثرة منها وفرة الذهب والفضة، وكذلك الاحتكار. 5- تطور التنظيم الصناعي : فمن التنظيم الطائفي إلى الصناعات المنزلية، ثم الصناعة اليدوية، أو بتغيير آخر تطورت العملية الإنتاجية أو الفن الإنتاجي. ب) أما عن أهم الأفكار الاقتصادية التي سادت خلال هذه الحقبة الزمنية، فقد كانت السياسة العامة والعمل العام انعكاسا لآراء وما يحقق مصالح كبار التجار. فقد تصور التجاريون أن المعادن النفسية من ذهب وفضة مصدر الثروة وأهم أشكالها، وأن قوة الدولة ومعيار ثرائها هو ما لديها من ذهب وفضة. لذلك يرون أن على الدولة أن تعمل على الحصول على أكبر كمية من المعادن النفسية، وذلك عن طريق الصادرات وفرض الضرائب على الواردات. وعادة ما كان يقول التجار " إن بيع البضائع للآخرين يكون دائما أفضل من شراء البضائع من الآخرين "، لأن البيع يحقق مزية مؤكدة والشراء يجلب ضرراً لا يمكن اجتنابه. وهنا يعتقدون ويؤمنون بالدور القوى للدولة وبتدخلها في الاقتصاد. وقد ترتب على ذلك أن كانت المراسيم والتشريعات المركنتيلية، وفي واقعها العملي، تتضمن فرض الرسوم الجمركية والقيود الأخرى المختلفة على الواردات. كما أن من ضمن الفكر المركنتيلي الموقف السلبي تجاه المنافسة، وعدم الترحيب بها والموافقة والتشجيع على الاحتكار أو على التحكم الاحتكاري في الأسعار والمنتجات، وبذلك تراجع مفهوم السعر العادل أمام المركنتيلية، ومن هنا كانت منح وبراءات الاحتكار تعطى بحرية كبيرة في إنجلترا في عصر الملكة اليزابيث. وكانت هذه المنح هبة سخية إلى أن قيدها البرلمان الإنجليزي خلال حكم جيمس الأول بموجب قانون الاحتكارات في العامين (1623 و 1624). من جهة أخرى، ولما كان الثراء والسعي إليه قد أصبح موضع احترام صار أخذ الفائدة على رأس المال إذا لم يتجاوز حد الاعتدال، أمراً مقبولا، وأصبح تمويل العمليات التجارية بأموال مقترضة عملا مشروعاً، ولم يعد في ذلك ما يحرم التجار من دخول الجنة, وقد كان ذلك تغيرا في المواقف وفي الفكر عما كان يجرى في الفترة السابقة، فقد كان هناك التمييز، كما سبق وأن بينا، بين نوعى الفائدة، فالفائدة تدان بشدة إذا كانت ابتزازا من جانب المحظوظين للمعوزين. ولكن الأمر يختلف عندما يحقق المقترض مالا من القرض الذي يحصل عليه، فعند ذلك يكون من قبيل العدالة المجردة أن يقتسم ما يكسبه من المقرض الذي جعل القرض ممكنا، و أن يعوضه أيضاً عن خطر فقدان هذا القرض. ج) وأخيراً، نصل إلى الإشارة إلى أهم الكتاب الذين قاموا بتحديد معالم الفترة الانتقالية السباقة على ظهور الرأسمالية : فنذكر بأن المرحلة الانتقالية التي نحن بصددها لم يظهر فيها نظاما فكريا محددا من قبل علماء اقتصاد أو فلاسفة، وإنما كانت في المقام الأول نتاج عقوق رجال الدولة وكبار الموظفين ورجال المال والأعمال. لكن ظهر في هذه الفترة بعض من الرجال الذي أوضحوا المبادئ العامة، والسابق عرضها، من أبرزهم أنطوان دي مونكريتيان (1576 – 1621) في فرنسا، وانطونيو سيرا، وفيليب وفون هورنيك (1638 – 1712) في النمسا، وجوهان يواقيم بيشر (1635 – 1682) في ألمانيا ، وتوماس من (1517 – 1641) في إنجلترا. 3) خصائص النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق يعتبر الفرد غاية هذا النظام وأداته في تحقيق أهدافه. فالفرد هو الوحدة الأساسية التي يقوم عليها تنظيم الحياة، وتتركز حولها كل أنواع النشاط الإنساني في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك كان الإطار العام للنظام الرأسمالي ترجمة لمكانة الفرد في هذا النظام. وترتكز خصائص وسمات اقتصاد السوق حول نوعين من الجوانب فهناك الجوانب التنظيمية والاجتماعية (أولاً) وهناك الجوانب الفنية والاقتصادية ( ثانياً). أولاً : الجوانب التنظيمية والاجتماعية لاقتصاد السوق. ثانياً : الجوانب الفنية والاقتصادية لاقتصاد السوق. أولاً : الجوانب التنظيمية والاجتماعية لاقتصاد السوق: يقوم النظام الرأسمالي على الحرية في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على النحو الذي ينص عليه القانون. ويركز هذا النظام على مبدأي الملكية الخاصة وحرية التعاقد، ويقتصر دور الدولة على حماية حقوق الأفراد وحراسة مكاسبهم بالتأكيد على احترام حق الملكية وحرية التعاقد. 1) مبدأ الملكية الخاصة : يعترف القانون في الدول الرأسمالية بحق الفرد في تملك الأموال ملكية خاصة، سواء كانت هذه الأموال سلعا استهلاكية أو سلعا إنتاجية. وحق الملكية على مال من الأموال يشمل مجموعة من الحقوق الفرعية تتمثل في حق الاستعمال وحق الاستغلال وحق التصرف، كما أنه يتضمن الاعتراف بحق الإرث كسبب من أسباب كسب الملكية. ولا يعني الاعتراف للأفراد بحق الملكية أن تصبح كل الأموال الموجودة في المجتمع مملوكة للأفراد ملكية خاصة. فالدولة الرأسمالية تتملك جزءا من الثروة القومية تتمثل في المباني الحكومية، وأراضي الدولة، والمناجم ، والغابات، والهياكل الأساسية للنشاط الاقتصادي كالطرق والمصارف والجسور. ويمكن للملكية الخاص في البلاد الرأسمالية أن تحاط ببعض القيود القانونية مراعاة لاعتبارات الصالح العام، كالقيود التي تمنع المالك من استخدام ماله على نحو يضر بمصلحة جيرانه أو رفاهية مجتمعه. ففي بعض البلاد تمنع القوانين الارتفاع بالمباني فوق حد معين، كما تحرم إنشاء المصانع الضارة بالصحة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. الاعتراف بالملكية الخاصة لأموال الإنتاج جعل الرأسماليين في القرن التاسع عشر ينكبون على تكديس رؤوس الأموال في حوزتهم للاستفادة من مزايا الإنتاج الكبير، وأفقد العامل الحرفي وضعه الذي كان يتمتع به قبل ازدهار الرأسمالية، وفصل بشكل مطلق بين طبقة الرأسماليين المالكين لأدوات الإنتاج وبين طبقة العمـال التي تؤجر مجهودها لاستغلال أموال الإنتاج لصالح ملاكها، وأظهر التمايز الطبقي القائم على الانفصال الفني والاجتماعي بين العمل ورأس المال. لذلك تفرض بعض القوانين على ملاك المصانع المحافظة على بيئة العمل في حالة صحيحة، وتدبير الوسائل اللازمة لتأمين العمال من الحوادث. ثم توالت الحلول التي تضمن تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين أصحاب الأعمال والعمل في إطار النظام الرأسمالي. 2) مبدأ حرية التعاقد : إن الاقتصاد الرأسمالي اقتصاداً تبادلياً يقوم أساساً على وجود السوق التي تتم فيها مبادلة السلع والخدمات بين البائعين والمشترين دون تدخل من جانب الدولة بقصد الحد من قوى العرض والطلب أو توجيهها. فالقانون يكفل حرية التبادل وحرية التعاقد بالنسبة لكل الأموال الاقتصادية، بما فيها عوامل الإنتاج ومن بينها العمل. ويعتبر العقد – وهو عمل قانوني يقوم على أرادتين أو أكثر – هو أسلوب الأفراد في تصريف شئونهم الاقتصادية. ويمكن بالعقد أن تقوم إلى جانب الملكية الفردية نوع آخر من الملكية يعرف بالملكية المشتركة وذلك بتأسيس الشركات. ثانياً: الجوانب الفنية والاقتصادية لاقتصاد السوق: يقوم النظام الرأسمالي على فن إنتاجي يرتكز على الاختراع وعلى بنيان اقتصادي يستند إلى حرية القرار. 1) الفن الإنتاجي : قام النظام الرأسمالي في ظل الثورة الصناعية، فارتكز على التقدم التكنولوجي الذي أدت إليه هذه الثورة، وطبقت الفنون الإنتاجية المتقدمة نتيجة لمبدأ المنافسة. ففي ظل المنافسة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم حتى يتمكنوا من تخفيض نفقات الإنتاج، وتحقيق أكبر قدر من الأرباح. فنجاح أي منتج في استخدام وسائل جديدة من شأنها تخفيض التكاليف، يدفع المنتجين الآخرين إلى تطبيق مثل هذه الوسائل الحديثة حتى يتمكنوا من البقاء في م