الحمض النووي سلاح فعال لكشف غموض الجرائم ظل البحث الجنائي لسنوات طويلة يعتمد على الطرق التقليدية المختلفة والأدلة الجنائية المتداولة في التحقيقات للكشف عن غموض الجرائم والحوادث بأنواعها وعمليات الثأر والأعمال الإرهابية التي قد يتأذى من نتيجتها أناس ليس لهم علاقة بالموضوع إلى جانب الأشخاص المستهدفين.
ومن أبرز الأدلة بصمات الأصابع التي ظلت حتى عهد قريب أكثر الأدلة الجنائية مساهمة ودقة في كشف وتحديد شخصيات مرتكبي الأعمال الإجرامية والضحايا في حالات التشوه الشديد، ثم تأتي بعد ذلك زمرة الدم وتركيبه الكيميائي والشعر والجلد والخلايا والبقايا التي يخلفها الفاعل على مسرح الجريمة أو على جسد الضحية وآثار الأسلحة وأدوات الجريمة المستخدمة وبقاياها مثل الطلقات والفوارغ وما إلى ذلك.وبالرغم من أن الطب الشرعي والأدلة الجنائية توصلت إلى اكتشاف مرتكبي جرائم كبرى وعمليات سطو وتهريب خطيرة وفككت عصابات مارست كل أشكال الجريمة والتخريب التي تهدد بتدمير المجتمع، وسجلت بذلك انتصارات هامة وكبيرة على عالم الجريمة، إلا أن الاكتشاف الأهم كان على يد عالم الوراثة الدكتور إليك جيفري عام 1984م الذي كشف عن التسلسل العجيب للقواعد النيتروجينية المكونة لجزيئ الحمض النووي D N A الذي عرف أيضا بالبصمة الوراثية، كما يطلق عليه المطبعة الكونية العجيبة لأنه عند انقسام الخلايا البشرية وتكاثرها بسرعة كبيرة مطلوب من الحمض النووي أن يتكاثر أيضا ويعطي صورا طبق الأصل له بها كل المعلومات التي يحملها لنقلها إلى الخلايا الجديدة. لذلك صار الدليل الأوحد للكشف عن هوية الأشخاص بدقة متناهية سواء كانوا من المجرمين أو الضحايا في الأعمال الجنائية، وللتأكد من صحة نسب الأبناء في قضايا الفصل في تنازع البنوة في حالات إنكار الشخص أبوته لطفل غير شرعي نتيجة الاغتصاب أو الزنا، أو ادعاء امرأة بأن طفلا لها يخص شخصا معينا لإجباره على الزواج منها، أو طمعا في ميراث، وفي قضايا تبادل المواليد في المستشفيات خطأ أو عمداً، ومهمة الطب الشرعي تحديد النتائج الصحيحة والأشخاص الحقيقيين في مختلف هذه القضايا. لأن كل أسرار الخلية والإنسان توضع على هذا الحمض الضئيل الحجم فهو مسؤول عن نقل الصفات الوراثية المبرمجة عليه عبر الأجيال بكل أمانة محققا التفرد والتميز لكل جنس من الأجناس البشرية، بل وكل إنسان على حدة ببصمته الخاصة التي لا تتشابه أبدا مع أي إنسان آخر، ذلك أن الحمض النووي يوجد في أنوية الخلايا في صورة كروموزومات مشكلا وحدة البناء الأساس لها، والمعلومات أو الصفات الوراثية الخاصة بكل كائن حي مستقرة على جزيئ الحمض بصورة شفرية مبرمجة ومقدرة منذ بداية تكوين كل كائن حي. وتحتوي الأنوية على 23 زوجا من الكروموزومات منها 22 زوجا متماثلة في الذكر والأنثى، وزوج واحد يسمى الكروموزوم الجنسي يختلف في الذكر حيث يرمز له بالحرفين X Y عن الأنثى ويرمز له بالحرفين X X.
وتشير المعلومات التحليلية إلى أن سيطرة الحمض النووي على نشاط الخلية تخلق آلية معينة لإبلاغ أوامره إلى أي جزء من الخلية دون أن يتحرك من مكانه، فيقوم بصنع حمض نووي آخر يسمى الحمض النووي الرايبوزي يرمز له بالحروف RNA ينقل إليه المعلومات الوراثية بالترتيب والتسلسل كما هي عليه ليبلغها إلى الخلية لتقوم بنشاطها منذ تكوين الجنين فتحدد الصفات الوراثية لهذا الإنسان، بصماته وفصيلة دمه ونوع أنزيماته ولون بشرته وعينية… إلخ.
يتميز الحمض النووي (البصمة الوراثية) بأنه دليل إثبات ونفي قاطع بنسبة مائة بالمائة إذا تم تحليل الحمض بطريقة سليمة، حيث إن احتمال التشابه بين البشر في الحمض النووي غير وارد بعكس فصائل الدم التي تعتبر وسيلة نفي فقط لاحتمال التشابه بين البشر في هذه الفصائل، ويمكن أخذ البصمة من أي مخلفات آدمية سائلة (دم، لعاب، مني) أو أنسجة (لحم، عظم، جلد، شعر) وهذه الميزة
المزيد