قال لم ألق في حياتي كحديث الأحباب في الأسحار
كان قتيبة بن مسلم، يقول: الحمد لله الذي جعل في جيشي مثلك يا صلة.وكان إذا قام يصلي الليل يأخذ بردة بألف دينار ويطيبها، ويقول: اللهم إنك جميل تحب الجمال، ما لبستها إلا لك، فيلبسها في الليل، فإذا أتى النهار خلعها.خرج من الجيش بعد أن نام الناس، ودخل الغابة، وقام ليصلي يتنفل ويبكي، وهو في الجبهة في سبيل الله قريباً من كابل بنفس تلك الأرض ما أحسن المرتجى وما أحسن المصطاف والمرتعاقام يصلي فأتى الأسد عليه، والأسد معروف من هو؟ إنه حيدرة، الهزير، الليث الذي سمته العرب ملك الحيوانات، كان إذا زأر في أيّ وادٍ تنتقل العرب وترتحل من الوادي، لا يستطيع أحد أن يصارعه.أتاه الأسد فدار عليه وهو يصلي، فما تحول ولا تحرك، ولا اضطرب، فلما انتهى من ركعتين التفت إلى الأسد، وقال: يا حيدرة ياليث، إن كنتَ أُمرت بقتلي وأكلي فاقتلني وكُلني، فإنه ليس معي سلاح إلا حماية الله تعالى، وإن كنت ما أمرت بقتلي ولم تسلط عليّ فاذهب واتركني أُصلي. فقام الأسد فلوى ذنبه وذهب، كأنه جرو الكلب، حتى دخل جحره!! (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:64].قال أحد علماء المسلمين: لما أطعنا الله سخَّر لنا الوحوش، ولما عصيناه سلَّط علينا الفئران!!ولذلك يقول أحد الأدباء المسلمين لما رأى اليهود والنصارى يهاجمون بلاد المسلمين في الشرق والغرب، وذلك يوم أن ضيع المسلمون الله، يقول:أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر
رفاقك في الأغوار شدُّوا سيوفهم وجيشك في حطين صلُّوا وكبّروا
تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ
نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقُصّرُ
وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر؟
لا والله لا يثمر.* ويُروى عن أحد الصالحين، وهو مالك بن دينار، أنه قال: نِمتُ في حديقة فاستيقظت من نومي، وأنا في الحديقة، وإذا بحيّة أخذت زهرة في فمها، وهي تُزيل الذباب والبعوض عن وجهي، سبحان الله من الذي علَّمها؟ من الذي دلَّها؟ من الي سخّرها لهذا العبد الصالح؟ إنه الواحد الأحد!.(فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:64].7- تسخير الجماداتومن حفظ الله تعالى لعباده الصالحين أن يسخِّر لخدمتهم حتى الجمادات، التي لا تُبصر ولا تسمع ولا تعقل.* روى البخاري – رحمه الله تعالى - في باب الكفالة عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار،فقال: ائتني بالشهداء أُشهدهم، فقال: كفى بالله شهيداً. قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً. قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجلّه، فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زججَّ موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: "اللهم إنك تعلم إني كنت تسلَّفت فلاناً ألف دينار، فسألني كفيلاً فقلت كفى بالله كفيلاً، فرضي بك. وسألني شهيداً فقلت كفى بالله شهيداً، فرضي بذلك، وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها. فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعلَّ مركباً قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدِمَ الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدتُ مركباً قبل الذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليَّ بشئ؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشداً"[1].(فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:64]. نتائج عدم حفظ الله تعالىإن من لم يحفظ الله تعالى فإن الله تعالى لا يحفظه، ومن لم يحفظه الله فإن مردَّه في الدنيا سوء المعاش، وفقدان السعادة، وفي الآخرة مصيره إلى نار جهنم، ما دامت السموات والأرض، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:124]. والتاريخ ملئ بالشواهد* فها هو فرعون يملك مصر، والأنهار تجري في بلاده، والثمار والخيرات تتدفق من مصر، لكنه لم يحفظ الله تعالى، فلم يحفظه الله سبحانه وتعالى، فأغرقه وقومه في اليم وهو مُليم. ( كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) [الدخان:25-29].* وها هو قارون يؤتيه الله من المال ما لا يخطر على بال، لكنه لم يحفظ الله، ولم يستمع لنصح الناصحين، بل قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص:78]. واستكبر وعاند، فكانت عاقبته أن خسف الله به وبداره الأرض، فخسر الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين.* وفي عهد العباسيين، كان هناك وزراء في عهد الرشيد، يُدعون بالبرامكة، أعطاهم الله المال والذهب والفضة، طلُوا قصورهم بكل لون من الألوان، حتى قال بعض المؤرخين: كانوا يطلون قصورهم بماء الذهب.لكن ضيَّعوا أوامر الله، في داخل قصورهم معصية: غناء.. خمر.. مجون.. ضياع.. تضييع للصلاة؛ فأخذهم علام الغيوب، الذي يمهل ولا يهمل، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فسبحانه ما أقدره، ولا إله إلا الله ما أعظمه، ولا إله إلا الله ما أجلّه.هؤلاء الوزراء أُخذوا في غداة واحدة، سلَّط الله عليهم أحبّ الناس إليهم، هارون الرشيد، كان صديقاً لهم كان أخاً لهم غضب عليهم ضحى، فأخذ شبابهم فقتلهم بالسيف قبل الظهر، وأخذ أشياخهم فأودعهم في السجن، وأخذ أبناءهم فجعلهم في المستعمرات تحت الأرض، وأخذ النساء فأوصد عليهن في الغرف.. بكاء هنا.. وبكاء هناك.. ودمع هنا.. ودمع هناك..قيل لأحدهم وهو يحيى بن خالد البرمكي: ماذا أنزلكم في هذا المنزل، في الظلام بعد هذه النعم؟ بعد الذهب؟ بعد الحرير؟ بعد الديباج، قال وهو يبكي: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل، غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها!!وقيل لـعلي بن الحسين - رضي الله عنهما - كم بين العرش والتراب؟ قال: دعوة مستجابة.لم يجب بالأميال، ولا بالكيلومترات، ولا بالقياسات وإنما قال: دعوة مستجابة، يرفعها الله فوق الغمام حتى تصل إليه، ثم يقول سبحانه: "وعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين".وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ: «اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»[2].وكان صلى الله عليه وسلم يقول لـمعاذ فيما صح عنه:{واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب }. أخذ الرشيد البرامكة، فبقي أبوهم الشيخ الكبير في السجن سبع سنين حتى طالت أظافره، وطال شاربه، ما وجد مقراضاً يقلم أظفاره، ما وجد مقصّاً يأخذ من شاربه، ما وجد سواكاً، كان يتوضأ ويبكي في مكانه، كان يقضي حاجته في مكانه، في زنزانته بعد ذلك النعيم، بعد الحرير، بعد الديباج.باتوا على قلل الآمال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز من منازلهم إلى مقابرهم يا بئس ما نزلوا
(فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:64].من الذي يصرّف الأمور إلا الله؟! من الذي بيده المقاليد إلا الواحد الأحد؟! سبحانه يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويُعزّ من يشاء، ويُذلّ من يشاء.* القاهر أحد الخلفاء العباسيين قال: أكتنز للدهر أحفظ المال للأيام السود، فحفر بركاً في الأرض وملأها ذهباً وفضة! ولم يعتمد على الله، وقال لأبنائه: يا أبنائي، لا تخشوا الفقر، ملأت لكم في هذه الحفر ما لو وزِّع على أهل بغداد لكان كل بغدادي تاجراً.فماذا فُعِلَ به لما خالف أمر الله وفرَّط؟ أُخذ من خلافته وخُلع عنها، وسملت عيناه، ثم أُخذت أملاكه، وصودرت إلى الخليفة من بعده، وأصبح يقوم في الجامع الكبير ببغداد، ويقول: من مال الله يا عباد الله.قالوا: فانظروا إليه يوم ضيَّع الله كيف ضيَّعه الله؟!(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37]. كيف يحفظ العبدُ ربَّه؟علَّق النبي صلى الله عليه وسلم حفظ الله لعبده بحفظ المرء لله، بقوله: "احفظ الله يحفظك". فمن الذي يحفظ الله ليحفظه الله؟ لأن الله سبحانه يقول: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) [ق:32].ومعنى الأواب: الرجّاع إلى الله، كثير التوبة والندم والاستغفار، كثير العبادة، كثير الإنابة. ومعنى الحفيظ: الذي يحفظ حدود الله تعالى.وحفظ الله تعالى باختصار يكون بتقوى الله سبحانه.تقوى الله: أداء ما أمر، واجتناب ما نهى، وتصديق ما أخبر.تقوى الله: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية.تقوى الله: أن يكون أخوف من تخاف منه هو الله، لأن كل شيء إذا اقتربت منه أمنته إلا الله، إذا اقتربت منه خفته، يقول الله سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28].قال أبو الحسن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – في تعريف التقوى: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".
ومن علامات التقوى:المحافظة على الصلوات: لقد سمّى الله سبحانه المواظبة على الصلاة وأداءها حفظاً فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلواتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المؤمنون:9].فمن حفظ الصلاة في أوقاتها وخشوعها وخضوعها وجماعتها حفظه الله يوم يضيع الناس (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت:45].كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - وهو مطعون في سكرات الموت، وعيناه تهراق بالدموع يقول: الله الله في الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، من حفظ الصلاة حفظه الله، ومن ضيَّع الصلاة ضيَّعه الله.وكان - رضي الله عنه - يكتب لرؤساء الأقاليم والأمراء: عليكم بالصلاة فإنها أول الإسلام، وآخر ما تفقدون من دينكم.والله سبحانه يقول: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238].كيفية المحافظة عليها:اعلم أخي المسلم، أنك لا تحافظ على الصلاة إلا بثلاث طرق:1- أداؤها في وقتها: فلو أخرتها إلى أن يخرج الوقت ما قبلها الله إلا بعذر، وتُلفُّ ويُرمى بها وجه صاحبها، وتقول: ضيَّعك الله كما ضيَّعتني!!وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فمن حفظها حفظه الله يوم تضيع الأفهام، وتضل العقول، وتندهش الأفكار.يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن مسعود – رضي الله عنه – لما سأل: ما أفضل العمل؟ قال: الصلاة على وقتها.[3]2- أداؤها في جماعة: فلا صلاة إلا في جماعة إلا من عذر، يوم ينادى بها في المساجد، يوم يقول لك المؤذن: حي على الصلاة.. حي على الفلاح، فتقوم من فراشك، وتذهب للمسجد، ليحفظك علام الغيوب.3- أداؤها بخشوع وخضوع: وذلك بأن تعيش مع الإمام وهو يقرأ عليك، وتستمع لهذا القرآن العجيب، والنبأ العظيم، الذي طرق الدنيا، ولتعلم أن مواقف الناس في الآخرة وفي العرصات كمواقفهم في الصلاة، ذكر ذلك ابن القيم – رحمه الله تعالى. حفظ الجوارح:وإن من حفظ العبد لله أن يحفظ المرء جوارحه عن معاصي الله سبحانه؛ وأن يذللها لطاعته، وإليك – أخي القارئ – بعض التفصيل في هذه المسألة لأهميتها وخطورتها من خلال النقاط الآتية:أولاً: حفظ العبد لقلبه:من حفظ الله تعالى حفظ العبد لقلبه من الشهوات والشبهات.هذه المضغة إذا ضاعت ضاع منك كل شيء، قطعة اللحم هذه هي القلب، يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضِّحاً ومبيِّناً أهمية هذا القلب: ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب[4].!!القلب إذا أصلحته بالذكر والطاعة، صلحت اليد والعين والسمع والرجل والبطن والفرج.إن كل الناس خاسر يوم القيامة، ولن يغني عن أحد مال أو أولاد أو زوجه إلا من أتى ومعه قلب سليم. (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].قالوا: القلب السليم الذي لم تداخله شهوة ولا شبهة.وقالوا: هو القلب الذي ليس فيه إلا الله.وقالوا: هو الذي امتلأ بلا إله إلا الله محمد رسول الله.إنه القلب الذي سلم من أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، سلم من الشك والشرك.. سلم من الرياء والنفاق.. سلم من الكِبر والعُجب.. سلم من الحقد والحسد.. سلم من كل داء، وامتلأ بتوحيد الله تعالى وتعظيمه، امتلأ بالإخلاص والصدق، امتلأ بالتوكل والاعتماد على الله.. امتلأ بالخوف من الله.. كقلب إبراهيم عليه السلام، الذي يقول عنه ربنا سبحانه وتعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصافات:83-84].ويقول الله سبحانه: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:11]. من يسجد لله يهد قلبه.. من يأت إلى المسجد يهد قلبه.. من يرفع يديه يهد قلبه، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].والله لا يجعل من يأتي إلى الدروس والمحاضرات والخير والذكر كمن أعرض وجلس في مقاهي اللغو والزور والفاحشة، ومع الغناء الماجن، ومع كل قول رخيص، لا والله. (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36].* أما الذي إذا سمع الهدى أعرض عنه ونأى وابتعد، فإنه على خطر عظيم، (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوْا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْفِيْطُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُوْنَ) [الأنعام:110].إن على المؤمن أن يُسلم قلبه لله سبحانه، ليديه سواء السبيل، يقول سبحانه: إ(ِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37]. وكل الناس لهم قلوب، ولكن المقصود القلب الفقيه المبصر. (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46]. (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الرعد:19].ولذلك لام الله سبحانه وتعالى قوماً ما استفادوا من جوارحهم، فقال فيهم: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). [الأعراف:179].* فلينتبه المسلم لقلبه وليراقبه، وليحذر من أمراضه، فإن للقلب أدواء خفية، قلَّما يتنبه لها المء أو يسلم منها، وليعلم أن الأعمال الصالحة إنما تعظم بقدر ما قام بالقلب من تعظيم الله تعالى ومحبته، ورُبَّ رجلين عملا عملاً متماثلاً وبينهما في الأجر كما بين السماء والأرض، والسبب ما قام في قلب كل منهما، "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".ثانياً: حفظ العبد لسانه:من حفظ العبد لربه أن يحفظ لسانه، واللسان هذا أمره عجيب، وخبره غريب، فإن السيئات والذنوب والمعاصي من الألسنة. فلا إله إلا الله كم هتك من عرض، ولا إله إلا الله كم أوقع في معصية، ولا إله إلا الله كم لطخ من سمعة، وكم هدم من بيت.يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ الشهير: "ألا أخبرك بمِلاك ذلك كلّه؟ قال: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه وقال: كُفَّ عليك هذا، قال: يا نبي الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)[5].والله سبحانه يقول في مدح أوليائه الصالحين (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون:3]. واللغو: كل ما لا ينفع في الآخرة، أو كل ما يضر في الآخرة!!ويقول سبحانه في مدح أوليائه الصالحين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].ويقول رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)[6].* والعجيب أن الإنسان يحرص كثيراً على حفظ جوارحه، ويشعر بمرارة الذنب الذي ارتكبه بتلك الجوارح، ما عدا اللسان، فقَّلما يحترس المرء من خطره، ويتجنب سقطه رغم خطورته. فكم انطلق اللسان في المعاصي، وكم سجَّل الملكن من الكلام السيئ القبيح في كتاب سوف يراه صاحبه ويقرؤه، ويتندم يوم لا ينفع الندم (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18].كم من كلمة قالها صاحبها مستخفّاً بها وقد هوت به في نار جهنم سبعين خريفاً؟! وكم من كلمة خير قالها صاحبها لا يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله بها رضوانه أبداً؟!كم ينطلق اللسان في الغيبة والنميمة؟ّ أو الاستهزاء والسخرية، أو الكذب والخداع؟ أو اللغو والجدال؟!!كان أبو بكر الصديق –رضي الله عنه - يبكي ويخرج لسانه، ويقول: هذا أوردني الموارد.ويقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: والله ما شيء أحق بطول حبس من اللسان.احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنّك إنه ثعبان
كم في المقابر من صريع لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
* من حفظ المرء للسانه أن يوجِّهه لكل ما يخدم هذا الدين، والذبّ عن حياضه.* ها هو حسان بن ثابت – رضي الله عنه – كان يحفظ الله تعالى بشعره وبقصائده، فحفظه الله.كان يمدح الدعوة، ويمدح الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال في سبِّ مشركي قريش:زعمت سخينة[7] أن ستغلب ربَّها فليغلبن مغلب الغلابوكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرِّبه ويرفعه على المنبر، وقال هل: "اهجهم – أو قال: هاجهم – وجبريل معك"[8].فكان رضي الله عنه يهجوهم ويقول: فإنَّ أبي ووالدّهُ وعِرضي لعرضِ محمد منكم وقاءُ
هجوتَ محمداً فأجبت عنه وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ
أتهجوهُ ولستُ له بكفءٍ فشرُّكُما لخيرِكما الفداءُ
قال الزهري:أفخر بيت قالته العرب بيت حسان في بدر:وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
فتحت قيادتنا المسلحة جبريل عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فكيف تغالبوننا؟!فهو قائد الشعراء إلى الجنة، لأنه حفظ الله تعالى.وهذا عبدالله بن أبي رواحه – رضي الله تعالى عنه – أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله:فثبت الله ما آتاك من حسنٍ تثبيتَ موسى ونصراً كالذي نصروا
باع نفسه كما يقول ابن القيم يوم العقبة، والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن تفرقا فقد وجب البيع.ذهب إلى مؤتة، فما أتت ساعة الصفر نزل إلى الأبطال، وخلع درعه، وأخذ سيفه، وقال:أقسمتُ يا نفسُ لتنزلنَّهْ طائعةً أو لتكرهِنَّه
إنْ أجلبَ الناسُ وشدوا الرَّنَّة ما لي أراكِ تكرهين الجنَّة
قد طال ما قد كنتِ مطمئنَّة هل أنتِ إلا نطفة في شنَّة
يقول له الصحابة لما ودَّعوه بالمدينة: يا ابن رواحة بالسلامة والعافية، قال: لا.وودَّع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكى، ولما التفت إلى المدينة وهو على فرسه قال خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مودع وخليلترك زوجته وأطفاله وأصحابه من الصحابة، وما التفت إلى رجل سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لما قالوا له: نراك على خير قال: لا.لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرع تقذف الزبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
قُتل هناك ابن رواحة، وذهبت روحه إلى الجنة. فكان الصحابة إذا مروا بقبره يسلِّمون عليه، ثم يقولون: يا أرشد الله من غاز وقد رشدا.وهو القائل في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:لم لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر
هكذا كانت ألسنتهم في ذكر الجنة والجهاد والذّبّ عن دين الله تعالى.* وفي المقابل امرؤ القيس حامل لواء الشعر إلى النار، ضيَّع شبابه في المعصية فضيَّعه الله!! ما عرف إلا النساء والخمر فضاع.* ابن هانئ الأندلسي أحد الفجرة دخل على خليفة فقال:ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
فعلّمه الله مَنِ الواحد القهار؟ وأعطاه درساً حتى لا ينسى من هو الواحد القهار؟!خرج من القصر فأصيب بمرض فكان يعوي كالكلب على فراشه، ويقول: أنت الواحد القهار، وأخذ يبكي ويقول:أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من خالق
لست الملوم أنا الملوم لأنني علَّقت آمالي بغير الخالق
* القروي أحد الشعراء المنحرفين اللبنانيين الفجرة، نزل في دمشق فحملوه على الأكتاف، وصفقوا له فقال:هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم
أيا مرحباً ديناً يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأهانه فمات في حمام، وما عُلم به إلا بعد أيام، وقد أصبح جيفة كالكلب، ليعلَّمه الواحد الأحد.* إيليا أبو ماضي.. الشاعر الفاسد يقول:جئت لا أعلم من أين؟ ولكنني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت لست أدري لست أدري
قلنا له: لا دريت ولا تليت، وتوليت وعصيت، وأذنبت وأخطأت وتعاليت. وقد أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، فمات في أسوأ حال.ثالثاً: حفظ العبد سمعه:من حفظ العبد لربه أن يحفظه في سمعه، فيوجِّه سمعه إلى ما ينفعه ويفيده في آُخراه ودنياه.يستمع لكتاب الله تعالى.. يستمع للمحاضرات.. يستمع للمواعظ، يستمع لأخبار وأحوال المسلمين أينما كانوا.المؤمن لا يستمع إلى ما حرّم الله، فلا يستمع إلى الغيبة والنميمة.. أذنه بعيدة عن الأغاني.. بعيدة عن المعازف.. بعيدة عن كل معصية وذنب. (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء:36]. المسلم يعلم أن السمع نعمة عظيمة، وأنه مسئول عنها، فحاله كما ذكر الله (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوابِاللَّغْوِمَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72].قال بعض المفسرين: لا يسمعون الكلام الباطل الزور، وقيل: لا يؤدون شهادة الزور.فالسامع الذم شريك له ومطعم المأكول للآكلرابعاً: حفظ العبد بصره:البصر كم جنى على القلب من ويلات..؟ وكم جنى من مصائب..؟وكنتَ متى أرسلتَ طرفَك رائداً لقلبك يوماً أتعبتْكَ المناظرُ
رأيتَ الذي لا كله أنتَ قادرٌ عليه ولا عن بعضِهِ أنتَ صابرُ
العين إذا انطلقت إلى الحرام، فهي سهم من سهام إبليس، ومن غضّ طرفه عن الحرام أبدله الله إيماناً يجد حلاوته في صدره، (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30].العين إذا شردت فإنما هي سهم يقع في القلب.وأنا الذي اجتلب المنيَّة طرفه فمن المُطالبُ والقتيلُ القاتلُ
قال أحد الصالحين: كم من نظرة أودت في حفرة، وكم من عين أدخلت في نار، وكم من التفاتة أعقبت ندماً يوم القيامة، نعوذ بالله من ذلك.إن على المؤمن أن يوجِّه بصره للنظر في ملكوت السموات والأرض، والتفكر بما فيهما من الآيات العظيمة (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [يونس:101]. (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية:17-20].* وإن على المؤمن أن يصرف بصره عن المحرمات، عن النساء.. عن الصور الخليعة.. وليحذر كل الحذر، فرُبَّ نظرة أودت بصاحبها، ورُبَّ نظرة أعقبها حزن وحسره.كلُّ الحوادثِ مبداها من النظر ومعظمُ النارِ من مستصغر الشررِ
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوسٍ ولا وترِ
والعبدُ ما دام ذا عين يقلِّبها في أعين الغيدِ موقوفٌ على الخطرِ
يسرُّ مُقلته ما ضرّ مُهجته لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضررِ
كم نظرة جلبت من الهموم والأحزان أثقالاً؟! وكم نظرة أسرت قلب صاحبها، وكان يحسب أن فيها سعادته والتفريج عما في نفسه.يا رامياً بسهام اللَّحظِ مجتهداً أنت القتيلُ بما ترمي فلا تُصبِ
ويا باعثَ الطرفِ يرتاد الشفاء له احبس رسولَك لا يأتيك بالعَطَبِ
فإذا حفظ المسم بصره ولم يصرفه إلى الحرام، بل وجَّهه لطاعة مولاه وخالقه، فإن الله سبحانه يحفظه ويتولاه. وكفى بحفظه وتوليه نعمة وعطية. (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:64].خامساً: حفظ العبد بطنه:مما يلزم المسلم حفظه أن يحفظ بطنه عن المطعم الحرام، فلا يأكل إلا مما أباحه الله سبحانه.فيتخلىى عن كل مصدر للمال محرم كالربا والغش، وبيع أو تأجير ما حرَّم الله، ولا يأكل إلا مما أباحه الله سبحانه، ويطيّب مأكله ومشربه ليجيب الله دعوته..عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيِّباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاًإ ِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون:51]. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة:172]. قال: وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء يا رب! يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟!"[9].ثم إن على المؤمن أن يحفظ بقية أعضائه بلا استثناء، فيحفظ فرجه عما لا يحل له، (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزوَاجِهِم أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المعارج:29-30].وعليه أن يحفظ قدمه فلا يمشي بها إلى ما حرم الله سبحانه، بل يجعلها تسير إلى طاعة الله.. إلى المساجد.. إلى حِلق العلم.. إلى المحاضرات.. إلى صلة ارحامه.. إلى زيارة إخوانه في الله.. إلى كل خير وفلاح.وعلى المؤمن أن يحفظ يديه فلا يستعملهما إلا فيما أباحه الله.. وليحذر أن تكون يداه وسيلة لمعصية مولاه (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور:24]. (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْيُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [فصلت:19-20].وإذا حفظ المؤمن أعضاءه وجوارحه، وسخَّرها لطاعة الله، فإن الله يحفظه، وهوأرحم الراحمين.خاتمة
وبعد يا عبدالله:* يا من تريد أن يحفظك الله.. احفظ الله.* يا من تريد سعادة الدارين.. احفظ الله.* يا من تريد النجاة من الأخطار.. احفظ الله.* ها قد عرفت كيف تحفظ الله عز وجل بتقواه.. وطاعته.. وكيف تحفظ جوارحك جميعها فلا ترتكب بها ما حرم الله بل تسخرها في طاعة الله.ويبقى العمل بعد ذلك: احفظ الله – بما علمت – يحفظك الله من كل سوء ومكروه. ولا تنس الله عز وجل فينساك فتخسر الدنيا والآخرة، نعوذ بالله من ذلك.أخي الكريم: لا أملك في الختام إلا أن أوصيك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس – رضي الله عنهما – فأقول - : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ».وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الفهرس
المقدمة. 2أهمية هذا الموضوع: 2لمن هذا الكتاب؟. 2حفظ الله تعالى: 2حفظ الله لأوليائه في الدنيا 4نتائج عدم حفظ الله تعالى.. 12والتاريخ ملئ بالشواهد. 13كيف يحفظ العبدُ ربَّه؟. 14ومن علامات التقوى: 15المحافظة على الصلوات: 15كيفية المحافظة عليها: 15حفظ الجوارح: 16
[2] رواه البخاري (2448) ومسلم (19) والنسائي (2522) وابن ماجه (1783) وأحمد (1/233) [3] رواه البخاري (2782) ومسلم (85) وأحمد (5/368،418) وفي رواية: "الصلاة في أول وقتها". [4] رواه البخاري (52) ومسلم (1599) وابن ماجه (3984). [5] رواه الترمذي (2616)، وابن ماجة (3973) وقال الترمذي: حسن صحيح. [7] سخينة: مسبة لقريش؛ لأن قريشاً تحب هذه الأكلة، فالعرب إذا سبت قريشاً قالت: سخينة. [8] رواه البخاري (6153) ومسلم (2486) وأحمد (4/286) [9] رواه مسلم (1015) والترمذي (2989) المصدرhttp://www.saaid.net/book/open.php?cat=82&book=7060