إعداد/السيد محمد رافع يونس محمد
مدرس القانون المدني / جامعة الموصل
أولاً :
الإدعاء : إدعى المدعي متولي وقف جامع ( ق.أ) / إضافة لتوليته لدى محكمة بداءة الموصل بان دوائر المدعى عليه ( و. د) / إضافة لوظيفته في محافظة نينوى قد تجاوزت على العقار المرقم 116/5 م 14 باب سنجار الشمالية ، وقام منتسبيها بوضع اليد على العقار المذكور ، وقطع الطرق المؤدية إليه بحيث منع الجهات الوقفية من استثمار واستغلال الوقف المذكور . فطلب دعوة المدعى عليه للمرافعة ، والحكم بإلزامه بدفع مبلغ خمسمائة ألف دينار من أصل مبلغ خمسمائة مليون دينار الذي قدره كأجر مثل العقار للمدة من 1/1/2007 ولحد تاريخ إقامة الدعوى محتفظين بحق المطالبة ببقية المبلغ مع تحميل المدعى عليه كافة المصاريف وأتعاب المحاماة ، وكذلك المطالبة بالتعويض عن كافة الأضرار .
ثانياً : مضمون الحكم البدائي : أصدرت محكمة بداءة الموصل بتاريخ 29/11/2010 وبعدد 2492 / ب / 2010 حكماً حضورياً بحق المدعي حسب توليته قابلاً للاستئناف والتمييز ، وغيابياً بحق المدعى عليه إضافة لوظيفته قابلاً للاعتراض والاستئناف والتمييز يقضي بإلزام المدعى عليه بتأديته للمدعي متولي وقف جامع ( ق.أ) / إضافة لتوليته مبلغاً قدره أحد عشر مليون وثمانمائة وثمانون ألف دينار تودع لدى صندوق هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف نينوى مع تحميل المدعى عليه / إضافة لوظيفته الرسوم والمصاريف النسبية وأتعاب محاماة وكيل المدعي حسب التولية ، ورد دعوى المدعي حسب التولية عن الزيادة في مدة المطالبة بأجر المثل وتحميله الرسوم والمصاريف النسبية .
ولعدم قناعة المعترض / المدعى عليه / إضافة لوظيفته بالقرار ([1]) المذكور إعترض طالباً قبول الاعتراض ورد الدعوى ، وتحميل المدعي / المعترض عليه الرسوم والمصاريف وأجور المحاماة .
ثالثاً : مضمون حكم الاعتراض : أصدرت محكمة بداءة الموصل بتاريخ 3/3/2011 وبعدد 2492/ اعتراض /2010 حكماً حضورياً قابلاً للاستئناف والتمييز برد الاعتراض وتأييد الحكم الغيابي ، وتحميل المعترض / إضافة لوظيفته رسم الاعتراض .
ولعدم قناعة المعترض / إضافة لوظيفته بواسطة وكيله بالحكم المذكور طلب تدقيق الاضبارة تمييزاً للأسباب الواردة بلائحته المؤرخة 16/3/2011 .
(2-
رابعاً : مضمون القرار التمييزي : أصدرت محكمة التمييز الاتحادية العراقية الهيأة المدنية / عقار / بتاريخ 3/جمادي الآخرة / 1432 هـ الموافق 5/5/2011م وبالعدد /1638 / الهيأة المدنية / عقار / 2011 ت / 2251 القرار الآتي :
لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية . قرر قبوله شكلاً ، ولدى عطف النظر في الحكم المميز وجد أنه غير صحيح ومخالف للقانون ، وذلك لان المحكمة لم تجر تحقيقاتها الكافية من أجل الوصول إلى الحكم العادل في الدعوى استناداً لأحكام المواد ( 1و2و3) من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل ، حيث كان عليها التحقق من وضعية العقار موضوع الدعوى ، وهل أنه كان مستغلاً من قبل المدعي / إضافة لوظيفته قبل تاريخ المطالبة من عدمه ، لأنه إذا كان غير مستغلاً يعني بأن أجر المثل المقدر من قبل الخبير القضائي مغالى فيه ، لاسيما بان تواجد تابعي المدعى عليه ، إضافة لوظيفته في العقار المذكور من قبيل الضرورات الأمنية وتحققت المصلحة العامة ، حيث على الخبير القضائي مراعاة هذه الأمور عند التقدير لكي لا نكون أمام حالة الكسب دون سبب لاسيما بأن العقار هو من الأوقاف هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فان موضوع الدعوى غير خاضع للمطالبة بمضاعفة أجر المثل طبقاً للقانون رقم 40 لسنة 1999 ، لان المدعي وان يستحق أجر المثل عن الفترة المطالب بها إلاّ أنه لا يعني استحقاقه للأجر المضاعف بدليل عدم إقامة المدعي / إضافة لوظيفته الدعوى ضد المدعى عليه للمطالبة برفع التجاوز . مما يتعين على المحكمة استدعاء الخبير القضائي بتقديم ملحق لتقريره على ضوء التحقيقات التي تجريها المحكمة ، وان يقدر أجر المثل المناسب وبدون مغالاة . وحيث ان المحكمة سارت في الدعوى خلاف ما ذكر أعلاه مما أخل بصحة حكمها المميز . لذا قرر نقضه وإعادة اضبارة الدعوى إلى محكمتها للسير فيها وفق النهج المتقدم على أن يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة ، وصدر القرار بالاتفاق في 3 / جمادي الآخرة / 1432 هـ الموافق 5/5/2011م .
خامساً : المبدأ : التجاوز على العقار الموقوف يعد غصباً ، ويضمن المتجاوز ضعف أجر المثل من تاريخ التجاوز ولغاية رفع التجاوز الذي يتم على نفقته مع ضعف قيمة الأضرار الناجمة عن التجاوز .
سادساً : التعليق : ان محكمة التمييز الاتحادية العراقية جانبت الصواب وارتكبت خطأ قضائي ، وخالفت الأحكام الشرعية والقانونية ، ويتبين ذلك في الآتي ذكره :
جاء في قرار النقض : إن محكمة الموضوع لم تجر تحقيقاتها الكافية من أجل الوصول إلى الحكم العادل في الدعوى استناداً لأحكام المواد (1 و 2 و 3 ) من قانون الإثبات حيث كان عليها التحقق من وضعية العقار موضوع الدعوى .
ان المحكمة توسعت في توجيه الدعوى وما يتعلق بها من أدلة ، وتحرَّت الوقائع لاستكمال قناعتها مراعية الحكمة من التشريع عند تطبيق القانون ، وهذا ما هو ثابت في اضبارة الكشف المستعجل بالعدد 2249 / ك / 2009 بتاريخ 2/11/2009 (محضر الكشف وتقرير الخبير ) فضلاً عن اطلاعها على كتب دوائر المدعى عليه في محافظة نينوى التي تشير إلى تجاوزها على العقار ، كما ثبت للمحكمة حرمان الوقف من الانتفاع بالعقار الموقوف من خلال قيام المحكمة بمعاينة العقار بصحبة مساح وخبير قضائي .. الخ .
وجاء في القرار : وهل أنه كان العقار مستغلاً من قبل المدعي / متولي الوقف قبل تاريخ المطالبة من عدمه ، لأنه إذا كان غير مستغلاً يعني أن اجر المثل المقدر من الخبير القضائي مغالى فيه ..
إن العقار الموقوف موضوع الدعوى كان مستغلاً ، وان المتولي يقدم حساباته عن واردات المستغلات الوقفية إلى القاضي الشرعي في لجنة محاسبة المتولين في هيئة أوقاف نينوى سنوياً..
وكان الأجدر بالمحكمة ان تقول : على الخبير ان يراعي عند تقديم خبرته ذاتية العقار الموقوف لان وارداته تصرف على الموقوف عليه جامع الشيخ قضيب البان الموصلي وملحقاته الخيرية لانه مؤسسة دينية وخيرية تهدف إلى البر والنفع العام (المادة الأولى/8 من قانون الأوقاف) ، ولان أموال الوقف (الصدقة الجارية) بحكم أموال اليتيم.
وجاء في القرار ان تواجد تابعي المدعى عليه / إضافة لوظيفته في العقار المذكور من قبيل الضرورات الأمنية وتحققت المصلحة العامة .
إن الاضطرار لا يبطل حق الغير بطلب التعويض ( م 213 مدني ) ، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز ( القرار 24 في 29/10/2007 ) .
وجاء في القرار : على الخبير القضائي مراعاة هذه الأمور عند التقدير لكي لا نكون امام حالة الكسب دون سبب لاسيما بأن العقار هو من الأوقاف .
ان مطالبة المتولي بضعف اجر المثل يستند إلى حكم القانون (المادة الثانية عشرة/2 من قانون إدارة الأوقاف رقم 64 لسنة 1966 المعدل بقانون رقم (40) لسنة 1999 (قانون التعديل الثامن لقانون إدارة الأوقاف رقم 64 لسنة 1966) ، وبالتالي لا يوجد إثراء للوقف ، والوقف لا يريد الكسب دون سبب، وانما يريد ضمان حقوقه الشرعية والقانونية ، وإذا أرادت المحكمة ان تطبق نظرية الكسب دون سبب في الدعوى ، فإن المدعى عليه/المعترض/المميز استعمل العقار الموقوف دون أذن المتولي العام (القاضي الشرعي أو دائرة الأوقاف المختصة) ، ويلزمه أداء منافعه سواء كان المال معداً للاستغلال أو غير معداً له (م 240 مدني) التي تنص : ((إذا استعمل شخص مالاً بلا أذن صاحبه لزمه اداء منافعه سواء كان المال معداً للاستغــــــلال أو غيـــــــــر معــداً له)) .
وجاء في القرار : ومن جهة أخرى فان موضوع الدعوى غير خاضع للمطالبة بمضاعفة أجر المثل طبقاً للقانون رقم 40 لسنة 1999 ، لان المدعي وان يستحق أجر المثل عن الفترة المطالب بها إلاّ انه لا يعني استحقاقه للأجر المضاعف بدليل عدم إقامة المدعي/ إضافة لوظيفته الدعوى ضد المدعى عليه للمطالبة برفع التجاوز .
إن قرار محكمة التمييز اعلاه بني على مخالفة صريحة للقانون إذ لا مسوغ للاجتهاد في مورد النص ( م2 مدني ) ، والمادة الثانية عشر / 2 من قانون الأوقاف تنص صراحة على ما يأتي : (( يضمن المتجاوز ضعف اجر المثل من تاريخ التجاوز ولغاية رفع التجاوز الذي يتم على نفقته مع ضعف قيمة الاضرار الناجمة عن التجاوز )) ، فهذا النص قانوني لا يحتمل التأويل ، ولا خلاف في وجوب الأخذ به ، وهو نص قانوني الزامي واجب التطبيق في الدعوى ، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز العراقية في العقار الذي بجانبه في القرار المرقم 2678/2679 / الهيأة الاستئنافية / عقار / 2006 ت 473 / 474 في 15/3/2007 ، والمصدق تصحيحاً بالقرار المرقم 1432/ الهيأة الاستئنافية / عقار / 2007 ت 1538 في 3/7/2007 ) .
ثم تبني المحكمة عدم استحقاق أجر المثل بدليل عدم إقامة المدعي / إضافة لتوليته الدعوى ضد المدعى عليه للمطالبة برفع التجاوز .. ، وهذا لا سند له في القانون لان التجاوز على أرض الوقف لا يرتب للمتجاوز أي حق ، ولا ينتج أي أثر قانوني عليها ، ولجهة الوقف أن تطلب متى شاءت وفي كل وقت هذا الحق برفع التجاوز ، ولا يسقط بالتقادم لانه حق مقرر بموجب الدستور والقانون دون قيد أو شرط ، ولم يقرر أو ينشأ بحكم محكمة ، ولا يجوز ان يحرم أحد من ملكه ( م 1050 مدني) (قرار محكمة التمييز رقم 356 ح / 65 بتاريخ 13/3/1965 ) .
فضلاً عما سبق فان هيئة إدارة الأوقاف / نينوى ، ومجلس المحافظة ، والمحافظة طالبوا جميعهم برفع التجاوز عن العقار الموقوف ، وإجابة دوائر المدعى عليه بان الوضع الأمني يتحتم بقائها فيه .
كما جاء في القرار أخيراً : يتعين على المحكمة استدعاء الخبير القضائي بتقديم ملحق لتقرير الخبير على ضوء التحقيقات التي تجريها المحكمة ، وان يقدر أجر المثل المناسب دون مغالاة .
ان المتولي مسؤول عن إدارة الوقف بموجب الأحكام الشرعية والقانونية ( المادة /4 من نظام المتولين رقم 46 لسنة 1970) ، ولا اعتقد انه يريد مغالاة في التقدير ، ولكن يريد من الخبير أن يراعي في تقدير أجر المثل ما فات الوقف من منفعة لصرفها على الموقوف عليه الجامع وملحقاته الخيرية ، وان هنالك ميزة ذاتية للوقف لأنه في حكم ملك الله سبحانه وتعالى ، فضلاً عن المدة التي سوف تتأخر بها الجهة المحكومة في الدفع ، وان تطبق المحكمة مبدأ ( التعويض الكامل ) والقاعدة الشرعية التي تحكم التعويض (( ان الحقوق وضعت لسد الحاجة فالتعويض عنها يجب أن يقوم مقامها في سد الحاجة )) ، وأن مبلغ التعويض هو مال موقوف لا يجوز تبديله او تغييره أو انقاصه ، وإلا سوف يشملنا النص القرآني في قوله تعالى ( فَمَن بّدَّلّهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِيَنَ يُبَدِلُوَنهُ إنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .
فضلاً عما تقدم :
إن الوصف القانوني لموضوع الدعوى غصب ، وهو ان يستولي شخص على مال الغير دون رضا صاحبه ، والغصب محرم في الشريعة والقانون ، وعليه فان قيام المدعى عليه/ المعترض / المميز بالتجاوز على العقار الموقوف دون رضا وموافقة يعد غصباً ويجب عليه رَدَّهُ ، ونظراً للاستحالة فأنه يلزم بضمان ضعف التعويض عن المنفعة الفائتة والأضرار (م12/2) من قانون الأوقاف المعدل ، والمادة (197 مدني) والتي تنص (( المغصوب إن كان عقاراً يلزم الغاصب رّده إلى صاحبه مع أجر مثله ، وإذا تلف العقار أو طرأ على قيمته نقص ولو بدون تعّد من الغاصب لزمه الضمان )) ، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز (رقم القرار 143 / الهيأة الموسعة المدنية/2008 في 30/11/2008 ، والقرار 126/ الهيئة الاستئنافية العقار / 2009 في 25 /1/2009 ، والقرار 3775 / الهيئة الاستئنافية العقار / 2010 في 10/11/2010 ) .
وما يعزز كلامنا أعلاه بصورة قاطعة القرار التمييزي بالعدد 152 / الهيئة الاستئنافية العقار / 2009 في 25/1/2009 ، والمبدأ فيه يقول : (( إذا كان العقار المغصوب من العقارات الموقوفة ، فإن أجر المثل عن فترة غصبه يكون مضاعفاً )) وهذا ما ينطبق على موضوع تعليقنا تماماً .
إن القانون لم يعط ميزة للدوائر الحكومية ، بل العكس وضع حماية للوقف بنصه على التمييز الوجوبي على الأحكام الصادرة على الأوقاف ( 309 مرافعات ) ، وان الأحكام المشمولة بالتمييز الوجوبي لا تنفذ ما لم تصدّق من محكمة التمييز ، وان المحكمة تنظر في دعاوى الأوقاف على وجه السرعة وكان على المحكمة ان تعمل بالقاعدة الفقهية المتفق عليها ( يقضى بما هو أنفع للوقف ) .
إن عدم مراعاة حقوق الوقف ومصلحته سيلحق به ضرراً بيناً ، وإنهاء أصله وغرضه الديني والخيري الذي يهدف إلى البر والنفع العام ( م الأولى / 8 من قانون الأوقاف ) ، لان أموال الوقف ليست من أموال الدولة العامة حتى يقال لا يصابه الافلاس أو العجز، ولهذا عمل المشرع العراقي على حمايته فعدّه من النظام العام ( م 130/2 مدني ) ، وتشدد في تضمين المتجاوز عليه ضعف أجر المثل ، إذ جاء في الأسباب الموجبة لقانون التعديل الثامن لقانون الأوقاف (( لغرض الحفاظ على حقوق الوقف من تصرفات بعض المتجاوزين على عقارات الوقف ، وللحد من المخالفات والتجاوزات عليها ، ولتشديد العقوبات بحقهم )) ، فضلاً عن أموال الوقف في حكم ملك الله سبحانه وتعالى، وهي فوق أموال الدولة العامة واعلى درجة منها . ولذلك جعل المشرع العراقي رئيس الوزراء الرئيس الأعلى لديوان الأوقاف لحمايتها من التسور عليها.
كان على محكمة التمييز ان تطلب من دائرة الادعاء العام حضور جلسات المرافعة في الدعوى للدفاع عن حقوق الوقف لانه بحكم أموال اليتيم .
مما سبق ذكره تبين أن الهيأة المدنية عقار في محكمة التمييز أغفلت ما تقدم مما أخل بصحة حكمها التمييزي ، وان قرارها جاء مخالفاً لما استقر عليه القضاء العراقي في التكييف القانوني والحكم وأخطأت في تطبيق القانون .
ولغرض الحفاظ على وحدة أحكام القضاء العراقي الحصيف ، وأبعاده عن الإرباك والتناقض ، ولتجنب انتقادات شراح القانون . نعتقد انه كان من الأفضل إحالة موضوع الدعوى إلى الهيأة العامة في محكمة التمييز للنظر بالفصل فيها إذا رأت العدول عن مبدأ قررته المحكمة في أحكام سابقة ، أو وجود تعارض في الأحكام والقرارات الصادرة من محكمة التمييز استناداً إلى المادة (13) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 .