لقد أصبحت الخبرة القضائية في التشريعات المعاصرة ذا أهمية بالغة في الإثبات وذلك لإسهامها في تحقيق العدالة وتنوير القاضي لأن لايحيد في أحكامه على روح القانون ، وإن الإستعانة بالخبراء على تعددهم يتبين في الحالات التي يتعذر الوصول إلى الحقيقة لتوقف الأمر على بعض النواحي الفنية التي تستلزم تدخلهم ، وتحقيقا لذلك كانت الخبرة القضائية على أنواع عدة يمكن إيجازها فيما يلي :
الفرع الأول : أنواع الخبرة القضائية:
أولا: الخبــرة : وهي الخبرة بصفة مطلقة ، عندما تأمر بها المحكمة للمرة الأولى ، حينما يستعصى عليها الأمر في فهم مسائل فنية أو عندما تتوفر في إحدى القضايا المطروحة عليها للفصل فيها ظروف أو شروط معينة فتسندها لخبير واحد أو عدة خبراء وذلك بحسب نوع الخبرة المأمور بها أو حسب موضوعها أو طبيعتها أو أهميتها .
ثانيـا:الخبـرة المضادة: إذا تبين للقاضي بأن الخبير أو الخبراء أنجزوا المهمة التي كلفوا بها غير أنه ليس بإستطاعته الفصل في القضية إما لعدم عدالة الحل المقترح في تقرير الخبرة أو أن تقارير الخبرة المختلفة والمطروحة أمام الجهة القضائية متناقضة ، ففي هذه الحالة وغيرها يمكن للقاضي اللجوء إلى خبرة مضادة يلتزم فيها الخبير المكلف بالقيام بالمهام نفسها (1) ، حيث يقوم بمراقبة صحة المعطيات وسلامة النتائج وخلاصات الخبير،وذلك بواسطة خبير أو عدة خبراء، وتسميتها بالمضادة لاتعني المعاكسة وإنما هي تندرج في إطار تمكين الخصوم من كل وسائل دفاعهم (2) ولقد كرست المحكمة العليا هذا النوع من الخبرات القضائية في قرارها الصادر بتاريخ :18/11/1998 تحت رقم :155373 بقولها :" إذا ثبت وجود تناقض بين خبرة وأخرى وتعذر فض النزاع بين الطرفين وجب الإستعانة بخبرة فاصلة وعدم الإقتصار على خبرة واحدة أو خبرتين تماشيا مع متطلبات العدل .
ولما ثبت من القرار المطعون فيه أن جهة الإستئناف إعتمدت الخبرة الثانية ورجحتها على الخبرة الأولى المتناقضة معها دون تعليل كاف، فإنها تكون قد أساءت تطبيق قواعد الإثبات والقصور في التسبيب، مما يعرض القرار للنقض .
ثالثـا: الخبرة الجديدة:هي الخبرة التي تأمر بها المحكمة عندما ترفض نهائيا الخبرة الأولى لأي سبب من الأسباب كالبطلان مثلا فللقضاة مطلق الحرية في الأمر بخبرة جديدة إذا كانت الخبرة الأولى مشوبة بقلة العناية والإفتقار إلى المعلومات وللخصوم أن يطلبوا ذلك أيضا بغية إيراد براهين جديدة في عناصر الدفاع عن قضاياهم ويمكن الأمر بخبرة جديدة في الصور التالية: (1)
-إذا كان التقرير معيبا في شكله أو مشوبا بإنحيازه إلى خصم من خصوم .
-إذا كان التقرير ناقصا أو غير كاف في نظر المحكمة أو المجلس .
ولقد قضت محكمـة قالمة قسمها العقاري بتاريخ :06/03/2003 بحكم تحت رقم:51/03 بما يلي :" بإستبعاد تقرير خبرة الخبير العبروقي بشير والقضاء من جديد بتعيين السيد جبار مسعود لتسند إليه نفس المهام القاضي بشأنها الحكم التحضيري السابق".
ولقد جاء في إحدى حيثيات الحكم أنه :" وبإستقراء النتائج التي خلص إليها الخبير المنتدب تبين للمحكمة بأنه لم يرد على الأسئلة المطروحة للإجابة عليها بموجب الحكم محل الإسترجاع لاسيما ما تعلق منها بمدى مطابقة العقود على القطعة الأرضية موضوع المطالبة القضائية ودون تبيان مركز كل واحد من الطرفين بالنسبة لها .
وحيث أن وأمام هذه الإغفالات الهامة يعد تقرير الخبرة مشوبا بالنقص يتعين إستبعاده(2) والقضاء من جديد بتعيين خبير آخر تسند إليه نفس المهام القاضي بها الحكم المؤرخ في: 22/12/2001 ."
رابعــا : الخبرة التكميلية : وهي الخبرة التي تأمر بها المحكمة عندما ترى نقصا واضحا في الخبرة المقدمة إليها أو أن الخبير لم يجيب عن جميع الأسئلة والنقاط الفنية المعين من أجلها أو أنه لم تستوفي حقها من البحث أو التحري فتأمر المحكمة بإستكمال النقص الملحوظ في تقرير الخبرة وتسند الخبرة التكميلية إلى الخبير الذي أنجزها أو إلى خبير آخر .
وهذا حسب نص المادة 54 من قانون الإجراءات المدنية:"إذا رأى القاضي أن العناصر التي بني عليها الخبير تقريره غير وافية فله أن يتخذ جميع الإجراءات اللازمة وله على الأخص أن يأمر بإستكمال التحقيق أو أن يستدعي الخبير أمامه ليحصل منه على الإيضاحات والمعلومات الضرورية ."
الفرع الثاني : تصنيـف الخبـراء :
ينقسم الخبراء وفقا للجهة التي قامت بندبهم إلى خبراء منتدبين وخبراء إستثنائيين .
أولا : الخبير المنتدب:هو ذلك الخبير الذي يختار عادة من جدول الخبراء العاملين لدى المحاكم وهو يعين من طرف القاضي للقيام بأعمال فنية من أجل الإستعانة بتقاريرهم للوصول إلى الحقيقة، والخبراء يختلفون وفقا لتخصصاتهم فنجد خبراء البصمات وخبراء الطب الشرعي والفنيون وكذا العاملون في المعمل الجنائي وغيرهم من الخبراء .
ثانيـا :الخبير الإستثنائي: وهو شخص متخصص في مجال من المجالات الفنيــــة غير مقيد في جدول الخبراء المعتمدين يقوم بإنتدابه في مسألة محددة فقط ، وأنه يتعين لقبوله أن يحلف اليمين القانونية أمام الجهة القضائية أو القاضي الذي عينه بأن يقوم بأداء المهمة الموكولة إليه بالدقة والأمانة (1)
ولقد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا الصادرة بتاريخ:19/07/1989 بأنه:" من المقرر قانونا أنه لقبول تقرير الخبير شكلا يجب على الجهة القضائية أن تذكر إن كان مسجلا في قائمة الخبراء وإن لم يكن ، أن ثبت أنه أدى اليمين القانونية، ومن ثمة فإن القضاء بما يخالف هذين المبدأين يعد إساءة في تطبيق القانون .
منقول للفائدة